Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 95-95)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بيان لتفاوت طبقات المؤمنين بحسب تفاوت درجات مساعيهم في الجهاد ، بعدما مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه ، ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته ، فيهتز له رغبة في ارتفاع طبقته ، قاله أبو السعود . وأصله للزمخشري حيث قال : فإن قلت : معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان ، فما فائدة نفي الاستواء ؟ قلت : معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد ، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته ، فيهتز للجهاد ويرغب فيه ، وفي ارتفاع طبقته ، ونحوه : { هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] ، أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليُهَابَ به إلى التعلّم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم . انتهى . والمراد بهم ، وقت النزول ، القاعدون عن غزوة بدر والخارجون إليها ، كما رواه البخاريّ والترمذيّ عن ابن عباس ، وقوله : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } ، مخرج لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد : من العمى والعرج والمرض ، عن مساواتهم للقاعدين ، فإنهم مساوون المجاهدين بالنية ، ولا يعتد بزيادة أجر العمل لهم لعظم أمر النية . كما روى الإمام أحمد والبخاريّ وأبو داود عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه " ، قالوا : وهم بالمدينة ؟ يا رسول الله ! قال : " نعم ، حبسهم العذر " ، وفي هذا المعنى قال الشاعر : @ يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً إنا أقمنا على عذر وعن قدر ومن أقام على عذر كمن راحا @@ وروى البخاريّ عن البراء قال : لما نزلت : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته ، فأنزل الله : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } . وفي رواية للبخاريّ عن زيد : فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ ، قال : يا رسول الله ! والله ! لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان أعمى ، فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فخذه على فخذي ، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضّ فخذي ، ثم سرّى عنه فأنزل الله : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } . وقوله تعالى : { بِأَمْوَٰلِهِمْ } أي : التي ينفقونها على أنفسهم في الجهاد أو على مجاهد آخر { وَأَنْفُسِهِمْ } أي : التي هي أعز عليهم من كل شيء ، وإن أنفق عليهم غيرهم إذا لم يكن عندهم مال . قال أبو السعود : وإيرادهم ، يعني الغزاة ، بعنوان المجاهدين ، دون الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه ، كما وقع في عبارة ابن عباس رضي الله عنهما ، وكذا تقييد المجاهدة بكونها في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ؛ - لمدحهم بذلك والإشعار بعلة استحقاقهم لعلوّ المرتبة ، مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود . انتهى . وظاهر أن نفي المساواة يسلتزم التفضيل ، إلا أنه للاعتناء به ، وليتمكن أشد تمكن ، لم يكتف بما فهم ضمناً ، بل صرح به فقال : { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ } لأنهم رجحوا جانبه { بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ } أي : غير أولي الضرر { دَرَجَةً } في القرب ممن رجحوا جانبه : { وَكُـلاًّ } أي : كل واحد من القاعدين والمجاهدين { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : المثوبة الحسنى ، وهي الجنة ، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم ، والجملة اعتراض جيء به تَدَارُكاً لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ } بالجهاد : { عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ } أي : بغير عذر { أَجْراً عَظِيماً } أي : ثواباً وافراً في الجنة .