Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 9-9)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي : ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه . قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم ، فلِمَ تستنكرون بعثتي ، وتستبعدون رسالتي ، كقوله : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } [ آل عمران : 144 ] ، و ( البدع ) كالبديع ، بمعنى الجديد المبتدأ . قال ابن جرير : ومن البدع قول عديّ بن زيد : @ فَلا أَنَا بِدْعٌ من حَوَادِثَ تَعْتَرِي رجالاً عَرَتْ من بَعْدِ بُؤْسَى وَأَسْعُدِ @@ ومن البديع قول الأحوص : @ فَخَرَتْ فَانْتَمَتْ فقلتُ : ذَرِيني لَيْسَ جهلٌ أُتِيتِهِ ببديعِ @@ { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } قال أبو السعود : أي : أيّ شيء يصيبنا فيما يستقبل من الزمان ، من أفعاله تعالى ، وماذا يقدّر لنا من قضاياه . وعن الحسن رضي الله عنه : ما أدري ما يصير إليه أمري ، وأمركم في الدنيا . وقيل : يجوز أن يكون المنفي هو الدراية المفصلة . والأظهر أن ( ما ) عبارة عما ليس علمه من وظائف النبوة من الحوادث والواقعات الدنيوية ، دون ما سيقع في الآخرة ، فإن العلم بذلك من وظائف النبوة ، وقد ورد به الوحي الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين . انتهى . وهذا الأظهر يقرب من قول الحسن . وهو ما عول عليه ابن جرير . قال ابن كثير : بل لا يجوز غيره . كيف ؟ وهو صلى الله عليه وسلم جازم بأنه صائر إلى الجنة ، هو ومن اتبعه بإحسان . وأما في الدنيا ، فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره ، وأمر مشركي قريش ، أيؤمنون ، أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أم العلاء ، وكانت بايعت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالت : " طار لنا في السكنى ، حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ، عثمان بن مظعون رضي الله عنه ، فاشتكى عثمان عندنا ، فمرضناه . حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : رحمة الله عليك ، أبا السائب ! شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير . والله ! ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي ! " قالت : فقلت : والله ! لا أزكي أحداً بعده أبداً ، وأحزنني ذلك . فنمت ، فرأيت لعثمان رضي الله عنه عيناً تجري ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك عمله " فقد انفرد بإخراجه البخاريّ دون مسلم ، وفي لفظ له : " ما أدري - وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ما يفعل به " وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها : فأحزنني ذلك . وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعيّن بالجنة ، إلا الذي نص الشارع على تعيينهم ، كالعشرة وابن سلام والعميصاء وبلال وسراقة وعبد الله بن عمرو بن حرام ( والد جابر ) والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة وزيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة ، وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم . انتهى كلام ابن كثير . و قال المهايميّ : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي : فيما لو يوح إليّ . والوحي ببعض الأمور لا يستلزم العلم بالباقي . ولم يكن لي أن أضم إلى الوحي كذباً من عندي . { إِنْ أَتَّبِعُ } أي : في تقرير الأمور الغيبية : { إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : منذر عقاب الله على كفركم به ، أَبان لكم إنذاره ، وأبان لكم دعاءه إلى ما فيه صلاحكم وسعادتكم .