Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-6)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } أي : فاستظهروا صدقه من كذبه ، بطريق آخر كراهة { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } أي : قوماً برآء مما قذفوا به بغية أذيتهم بجهالة لاستحقاقهم إياها ، ثم يظهر لكم عدم استحقاقهم { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } أي : فتندموا على إصابتكم إياها بالجناية التي تصيبونهم بها ، وحق المؤمن أن يحترز مما يخاف منه الندم في العواقب . تنبيهات الأول : قال ابن كثير : ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق . وقد روي ذلك من طرق . ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية مالك عن ابن المصطلق ، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا عيسى بن دينار ، حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعيّ رضي الله عنه يقول : " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت فيه ، وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة ، فأقررت بها وقلت : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، ويرسل إليّ يا رسول الله رسولاً إبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة . فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الإبّان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ، احتبس عليه الرسول ، فلم يأته ، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله ، فدعا بسروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقّت لي وقتاً يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة . فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرِقَ ، فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث . فأقبل الحارث بأصحابه ، حتى إذا استقبل البعث ، وفصل من المدينة ، لقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث ! فلما غشيهم قال لهم : إلى من بُعثتم ؟ قالوا : إليك . قال : ولِمَ ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ، وأردت قتله ! قال : لا ، والذي بعث محمداً بالحق ، ما رأيته بتة ، ولا أتاني . فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " منعتَ الزكاة ، وأردت قتل رسولي ؟ ! " قال : لا ، والذي بعثك بالحق ! ما رأيته بتة ! ولا أتاني ! وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ! خشيت أن تكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله . فنزلت الحجرات : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ … } إلى قوله : { حَكِيمٌ } " . وقال مجاهد وقتادة : " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يتصدقهم ، فتلقوه بالصدقة ، فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ( زاد قتادة : وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام ) فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم ، وأمره أن يتثبّت ولا يعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلاً ، فبعث عيونه ، فلما جاءوا أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم . فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه ، فرأى الذي يعجبه . فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال قتادة : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " التثُّبت من الله ، والعجلة من الشيطان " " وكذا ذكر غير واحد من السلف ، منهم ابن أبي ليلى ، ويزيد بن رومان ، والضحاك ، ومقاتل ، وغيرهم في هذه الآية ، أنها نزلت في الوليد بن عقبة - والله أعلم - انتهى . قال ابن قتيبة في ( المعارف ) : الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية ابن عبد شمس ، وهو أخو عثمان لأمه ، أروى بنت كريز . أسلم يوم فتح مكة ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً إلى بني المصطلق ، فأتاه فقال : منعوني الصدقة ! وكان كاذباً . فأنزل الله هذه الآية . وولاه عمر على صدقات بني تغلب ، وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص ، فصلى بأهلها صلاة الفجر ، وهو سكران ، أربعاً ، وقال : أزيدكم ؟ ! فشهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان ، فعزله وحدَّه . ولم يزل بالمدينة حتى بويع عليّ ، فخرج إلى الرقَة فنزلها ، واعتزل علياً ومعاوية ، ومات بناحية الرقّة . الثاني : في ( الإكليل ) : في الآية ردّ خبر الفاسق ، واشتراط العدالة في المخبر ، راوياً كان ، أو شاهداً ، أو مفتياً . ويستدل بالآية على قبول خبر الواحد العدل . قال ابن كثير : ومن هنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال ، لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون ، لأنا إنما أمرنا بالتثُّبت عند خبر الفاسق ، وهذا ليس بمحقق الفسق ؛ لأنه مجهول الحال . الثالث : في قوله تعالى : { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } فائدتان : إحداهما : تقرير التحذير وتأكيده . ووجهه هو أنه تعالى لما قال : { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } قال بعده : وليس ذلك مما لا يلتفت إليه ، ولا يجوز للعاقل أن يقول : هب أني أصبت قوماً ، فماذا عليّ ؟ بل عليكم منه الهم الدائم ، والحزن المقيم . ومثل هذا الشيء واجب الاحتراز منه . والثانية : مدح المؤمنين : أي : لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها ، بل تصبحون نادمين عليها - أفاده الرازيّ .