Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-41)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } نهيٌ : قال أبو البقاء : والجيّد فتح الياء وضم الزاي ويقرأ بضم الياء وكسر الزاي من ( أحزنني ) وهي لغة . { ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي : في إظهاره بما يلوح منهم آثار الكيد للإسلام ومن موالاة الكافرين { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ } أي : بألسنتهم . متعلّق بـ ( قالوا ) { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } وهم المنافقون ، أي : لا تبال بهم فإني ناصرك عليهم { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } عطف على { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } وهم يهود بني قريظة ، كعب وأصحابه { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } خبر لمحذوف ، أي : هم سماعون . واللام إما لتقوية العمل ، وإما لتضمين السماع معنى القبول ، وإما لام كي ، والمفعول محذوف ؛ المعنى : هم مبالغون في سماع الكذب الذي افترته أحبارهم أو في قبوله ، أو سماعون أخباركم ليكذبوا عليكم بالزيادة والنقص إرجافاً وتهويلاً . وفي ( الإكليل ) : أن قوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يدلّ على أن سامع المحظور كقائله في الإثم . { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أي : لم يحضروا مجلسك وتجافَوْا عنه إفراطاً في البغضاء . أي : قابلون من الأحبار ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك . قيل : هم يهود خيبر . والسماعون ، بنو قريظة { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } أي : كلم التوراة في الأحكام { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } أي : التي وضعه الله عليها . قال ابن كثير : أي : يتناولونه على غير تأويله ، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون . { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا } أي : إن أوتيتم هذا المحرّف المزال عن مواضعه من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام { فَخُذُوهُ } أي : اعملوا به فإنه الحقُّ { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ } بأن أفتاكم الرسول بخلافه { فَٱحْذَرُواْ } أي : من قبوله ، وإياكم وإياه ! فإنه الباطل والضلال . قال ابن كثير : قيل : نزلت في قوم من اليهود قتلوا قتيلاً وقالوا تعالوا نتحاكم إلى محمد . فإن حكم بالدية فاقبلوه . وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه . والصحيح أنها نزلت في اليهوديَّيْن اللذين زنيا . وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم . فحرفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والإركاب على حمار مقلوبَيْن . فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نتحاكم إليه . فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله . ويكون نبيّاً من أنبياء الله قد حكم بذلك . وقد وردت الأحاديث بذلك : فروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال : " جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ " فقالوا : نفضحهم ويجلدون . فقال عبد الله بن سلام : كذبتم . إنّ فيها الرجم . فأَتَوْا بالتوراة فنشروها . فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها . فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك . فرفع يده فإذا آية الرجم . فقالوا : صدق , يا محمد ! فيها آية الرجم . فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِما . فقال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة " وأخرجاه في الصحيحين . وهذا لفظ الموطأ . وروى الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال : " مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديّ محمَّم مجلود . فدعاهم فقال : " هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ " فقالوا : نعم . فدعا رجلاً من علمائهم فقال : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ! هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ " فقال : لا ، والله ! ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم . ولكنه كثر في أشرافنا . فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه . وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد . فقلنا : تعالوا حتى نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع . فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اللهم ! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " قال : فأمر به فرجم قال : فأنزل الله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } - إلى قوله - { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } " ، أي يقولون : إيتوا محمداً . فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه . وإن أفتاكم بالرجم فأحذروا . قال الحافظ ابن كثير : انفرد بإخراجه مسلم دون البخاريّ . وأبو داود والنسائيّ وابن ماجة . وكذا روى أبو بكر الحميديّ في ( مسنده ) نحوه في سبب نزولها عن جابر . وأبو داود أيضاً ، عن ابن عمر . { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ } أي : ضلالته { فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي : في دفع ضلالته { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } أي : من دنس الفتنة ووضر الكفر لانهماكهم فيهما ، وإصرارهم عليهما , وإعراضهم عن صرف اختيارهم إلى تحصيل الهداية { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي : فضيحة وهتك ستر , بظهور نفاقهم بالنسبة للمنافقين . وذل وجزيةٍ وافتضاح ، بظهور كذبهم في كتمان نص التوراة بالنسبة لليهود : { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو النار .