Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-94)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } أي : يرسله إليكم وأنتم محرمون { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } لتأخذوه ، وهو الضعيف من الصيد وصغيره { وَرِمَاحُكُمْ } لتطعنوه ، وهو كبار الصيد { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } فيمتنع عن الاصطياد لقوة إيمانه . قال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية . فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط فيما فيما خلا ، فنهاهم الله عن قتله ، وهم محرمون . قال ابن كثير : يعني : أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم ، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرّاً وجهراً ، لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره أو جهره ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ الملك : 12 ] . وقوله تعالى : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ } أي : بالصيد { بَعْدَ ذٰلِكَ } يعني : بعد الإعلام والإنذار { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } لمخالفته أمر الله وشرعه . لطيفة قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى التقليل والتصغير في قوله : { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } ؟ قلت : قلّل وصغّر أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين - كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال - وإنما هو شبيه بما ابتلي به أهل أيلة من صيد السمك ، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده ، فكيف شأنهم عند ما هو أشدّ منه … ؟ قال الناصر في ( الانتصاف ) : وقد وردت هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة في قوله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } [ البقرة : 155 ] . فلا خفاء في عظم هذه البلايا والمحن التي يستحق الصابر عليها أن يبشر ، لأنه صبر عظيم . فقول الزمخشريّ : إنه قلل وصغّر تنبيهاً على أن هذه الفتنة ليست من الفتن العظام - مدفوعٌ باستعمالها مع الفتن المتفق على عظمها . والظاهر - والله أعلم - أنّ المراد بما أشعر به اللفظ من التقليل والتصغير ، التنبيه على أن جميع ما يقع الابتلاء به من هذه البلايا بعضٌ من كلٍّ ، بالنسبة إلى مقدور الله تعالى . وإنه تعالى قادر على أن يكون ما يبلوهم به من ذلك أعظم مما يقع وأهول . وأنه مهما اندفع عنهم ممَّا هو أعظم في المقدور فإنما يدفعه عنهم إلى ما هو أخف وأسهل ، لطفاً بهم ورحمةً . ليكون هذا التنبيه باعثاً لهم على الصبر ، وحاملاً على الاحتمال . والذي يرشد إلى أن هذا مرادٌ ، أنّ سبق التوعد بذلك لم يكن إلا ليكونوا متوطنين على ذلك عند وقوعه . فيكون أيضاً باعثاً على تحمله ؛ لأن مفاجأة المكروه بغتة أصعب . والإنذار به قبل وقوعه مما يسهل موقعه . وحاصل ذلك لطف في القضاء … فسبحان اللطيف بعباده . وإذا فكّر العاقل فيما يبتلى به من أنواع البلايا ، وجد المندفع عنه منها أكثر ، إلى ما لا يقف عند غاية . فنسأل الله العفو والعافية واللطف في المقدور … انتهى . وللزمخشريّ أن يجيب بأن آية { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } [ البقرة : 155 ] شاهدة له لا عليه ؛ لأنه المقصود فيه أيضاً التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله عنهم - كما صرح به الناصر - مع أنه لا يتم دفعه بالآية إلا إذا كان { وَنَقْصٍ } [ البقرة : 155 ] معطوفاً على مجرور ( من ) ، ولو عطف على ( شيء ) لكان مثل هذه الآية بلا فرق … كذا في ( العناية ) .