Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 95-95)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } أي : محرمون بحجٍّ أو عمرة . قال المهايميّ : لأن قتله تجبّر . والمحرم في غاية التذلّل . انتهى . وذكر القتل ، دون الذبح والذكاة ، للتعميم . أو للإيذان بكونه في حكم الميتة . و ( الصيد ) ما يصاد مأكولاً أو غيره . ولا يستثني إلا ما ثبت في ( الصحيحين ) عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وفي رواية : ( الحية ) بدل ( العقرب ) . قال زيد بن أسلم وابن عيينة : الكلب العقور يشمل السباع العادية كلها . ويستأنس لهذا بما روي " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دعا على عتبة بن أبي لهب قال : " اللهّم ! سلّط عليه كلبك " فأكله السبع بالزرقاء . { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم } أيها المحرمون { مُّتَعَمِّداً } ذاكراً لإحرامه { فَجَزَآءٌ } بالتنوين ورفع ما بعده ، أي : فعليه جزاء هو { مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } أي : شبهه في الخلقة . وفي قراءة بإضافة ( جزاء ) { يَحْكُمُ بِهِ } أي : بالمثل مجتهدان { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به . وقد حكم ابن عباس وعمر وعليّ رضي الله عنهم في النعامة ببدنة . وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة ، وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة . وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام ؛ لأنه يشبهها في العبّ { هَدْياً } حال من ( جزاء ) { بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } أي : يبلغ به الحرم . فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه . فلا يجوز أن يذبح حيث كان { أَوْ } عليه { كَفَّارَةٌ } غير الجزاء . وإن وجده . هي { طَعَامُ مَسَاكِينَ } من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء . لكل مسكين مدّ . وفي قراءةٍ بإضافة " كفارةٍ " لما بعده ، وهي للبيان { أَو } عليه { عَدْلُ } مثل { ذٰلِكَ } الطعام { صِيَاماً } يصوم ، عن كل مدّ ، يوماً { لِّيَذُوقَ } أي : هاتكُ حرمة الله { وَبَالَ أَمْرِهِ } أي : شدة وثقل هتكه لحرمة الإحرام . و ( وليذوق ) متعلق بالاستقرار في الجار والمجرور . أي : فعليه جزاء ليذوق . أو بفعل يدلّ عليه الكلام . أي : شرع ذلك عليه ليذوق { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } من قتل الصيد قبل تحريمه . { وَمَنْ عَادَ } إليه { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } بطلب الجزاء في الدنيا والمعاقبة في الآخرة . وكيف يترك ذلك { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } غالب على أمره . ومقتضى عزته الانتقام من هاتك حرمته ، فهو لا محالة { ذُو ٱنْتِقَامٍ } ممّن عصاه . تنبيهات الأول : روي ابن أبي حاتم عن طاوس قال : لا يحكم على من أصاب صيداً خطأ ، إنما يحكم على من أصابه متعمداً . قال ابن كثير : وهذا مذهب غريب . وهو تمسك بظاهر الآية . ورأيت في بعض تفاسير الزيدية نسبة هذا القول إلى ابن عباس وعطاء ومجاهد وسالم وأبي ثور وابن جبير والحسن في ( إحدى الروايتين ) ، والقاسم والهادي والناصر وغيرهم . انتهى . والجمهور : أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه . وقال الزهريّ : دلّ الكتاب على العامد . وجرت السنة على الناسي . الثاني : إذا لم يكن الصيد مثليّاً حكم ابن عباس بثمنه يحمل إلى مكّة . رواه البيهقيّ . الثالث : ذهب معظم الأئمة إلى التخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام ، لأنه جيء بلفظ ( أو ) وحقيقتها التخيير . وعن بعض السلف أن ذلك على الترتيب . قالوا : إنما دخلت ( أو ) لبيان أن الجزاء لا يعدوا أحد هذه الأشياء ، ولأنا وجدنا الكفارات من الظهار والقتل على الترتيب . قلنا : هذا معارض بكفارة اليمين وبذم الأذى ، فلا يخرج عن حقيقة اللفظ وهو التخيير . الرابع : تعلق بظاهر قوله تعالى : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } من قال : لا كفارة على العائد . لأنه تعالى لم يذكرها . وهو مرويّ عن ابن عباس وشريح . والجمهور : على وجوبها عليه ؛ لأن وعيد العائد لا ينافي وجوب الجزاء عليه . وإنما لم يصرح به لعلمه فيما مضى . مع أن الآية يحتمل أن معناها : من عاد بعد التحريم إلى ما كان قبله . الخامس : قال الحاكم : كما دلت الآية على الرجوع إلى ذوي العدل في المماثلة . ففي ذلك دلالة على جواز الاجتهاد وتصويب المجتهدين . وجواز تعليق الأحكام بغالب الظن . وجواز رجوع العاميّ إلى العالم ، وأن عند التنازع في الأمور يجب الرجوع إلى أهل البصر … انتهى .