Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 96-96)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُحِلَّ لَكُمْ } خطاب للمُحْرِمِينَ { صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } قال المهايميّ : إذ ليس فيه التجبّر المنافي للتذلل الإحراميّ . و { صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } ما يصاد منه طريّاً ، و { وَطَعَامُهُ } ما يتزود منه مملحاً يابساً ، كذا في رواية عن ابن عباس . والمشهور عنه أن صيده ما أخذ منه حيّاً , وطعامه ما لفظه ميتاً . قال ابن كثير : وهذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنهم , وعن غير واحد من التابعين . روي ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر قال : طعامه كل ما فيه . وعن ابن المسيب : طعامه ما لفظه حيّاً أو حسر عنه فمات . { مَتَاعاً لَّكُمْ } أي : تمتيعاً للمقيمين منكم يأكلونه طريا { وَلِلسَّيَّارَةِ } منكم يتزودونه قديداً . و ( السيارة ) : القوم يسيرون . أُنِّث على معنى الرفقة والجماعة . تنبيهان الأول : قال ابن كثير : استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الآية , ومما رواه الإمام مالك عن ابن وهب وابن كيسان عن جابر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل . فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة - قال وأنا فيهم - قال : فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش . فجمع ذلك فكان مزوديْ تمر , قال : فكان يقوّتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة , فقلت : وما تغني تمرة ؟ فقال : لقد وجدنا فقدها حين فقدت . قال : ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظَّرِبِ . فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة . ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا . ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مرت تحتها ولم تصبها . وهذا الحديث مخرج من ( الصحيحين ) وله طرق عن جابر . وفي ( صحيح مسلم ) . " عن جابر : وتزودنا من لحمه وشائق . فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم . هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ " قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله " . وفي بعض روايات مسلم : أنهم كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة . فقال بعضهم : هي واقعة أخرى . وقال بعضهم : هي قضية واحدة ، ولكن كانوا أولاً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة . فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع أبي عبيدة . والله أعلم . وعن أبي هريرة : " أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء . فإن توضأنا به عطشنا . أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته " رواه مالك والشافعي وأحمد وأهل السنن . وصححه البخاريّ والترمذيّ وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " رواه الشافعيّ وأحمد وابن ماجه والدارقطنيّ والبيهقيّ ، وله شواهد . وروي موقوفاً . فهذه حجج الجمهور . الثاني : احتج بهذه الآية أيضاً من ذهب من الفقهاء إلى أنه يؤكل دواب البحر ، ولم يستثن من ذلك شيئاً . وقد تقدم عن الصديق أنه قال : طعامه كل ما فيه . وقد استثنى بعضهم الضفادع ، وأباح ما سواها ، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي عبد الرحمن التيميّ ؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن قتل الضفدع " وللنسائيّ عن عبد الله بن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال : " نقيقها تسبيح " " . { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } أي : محرمين ؛ فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً أثِمَ وَغَرِمَ ، أو مخطئاً غرم وحرم عليه أكله . لأنه في حقه كالميتة { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الاصطياد في الحرم أو في الإحرام ، ثم حذرهم بقوله سبحانه : { ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : تبعثون فيجازيكم على أعمالكم . لطيفة قال المهايميّ : إنما حرّم الصيد على المحرم ؛ لأنه قصد الكعبة التي حُرِّمَ صَيْدُ حرمها ، فجعل كالواصل إليه . وإنما حرم صيد حرمها لأنها مثال بيت الملك ، لا يتعرض لما فيه أو في حرمه . انتهى .