Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 15-15)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } أي : أفعجزنا عن الإبداء ، حتى نعجز عن الإعادة ، فالهمزة للإنكار . قال الشهاب : العيّ هنا بمعنى : العجز ، لا التعب . قال الكسائيّ : تقول : ( أعييت ) من التعب ، و ( عييت ) من انقطاع الحيلة ، والعجز عن الأمر . وهذا هو المعروف والأفصح ، وإن لم يفرق بينهما كثير . و ( الخلق الأول ) هو الإبداء على ما ذكر ، ويحتمل أن يراد به خلق السماوات والأرض ؛ لأن خلق الإنسان متأخر عنه ، ويدل له آية : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ … } [ الأحقاف : 33 ] الآية . وقوله { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } عطف على مقدر ، يدل عليه ما قبله ، كأنه قيل : هم معترفون بالخلق الأول ، فلا وجه لإنكارهم للثاني ، بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس ، لعدم فهمهم إعادة ما مات وتفرق أجزاؤه ؛ وإعراضهم عن سلطان القدرة الإلهية ، وسهولة ذلك في المقدورات الربانية . لطيفة قال الناصر : في الآية أسئلة ثلاث : لِمَ عَرَّف الخلق الأول ، ونكَّر اللبس ، والخلق الجديد ؟ فاعلم : أن التعريف لا غرض منه إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه ، ومنه تعريف الذكور في قوله : { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] ، ولهذا المقصد عرف الخلق الأول ؛ لأن الغرض جعله دليلاً على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى ، أي : إذا لم يعيَ تعالى بالخلق الأول ، على عظمته ، فالخلق الآخر أولى أن لا يعي به . فهذا سر تعريف الخلق الأول . وأما التنكير فأمره منقسم : فمرةً يقصد به تفخيم المنكر ، من حيث ما فيه من الإبهام ، كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة . ومرةً يقصد به التقليل من المنكر ، والوضع منه ، وعلى الأول : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 85 ] ، وقوله : { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 9 ] و { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [ الطور : 17 ] ، وهو أكثر من أن يحصى . والثاني : هو الأصل في التنكير ، فلا يحتاج إلى تمثيله ، فتنكير ( اللبس ) من التعظيم والتفخيم ، كأنه قال : في لبس أيّ ليس . وتنكير ( الخلق الجديد ) للتقليل منه ، والتهوين لأمره ، بالنسبة إلى الخلق الأول . ويحتمل أن يكون للتفخيم ، كأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبساً عليه ، مع أنه أول ما تبصر فيه صحته . انتهى .