Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 31-32)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } قال القرطبيّ : يقال : فرغت من الشغل أفرغ فراغاً وفروغاً ، وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، وإنما المعنى : سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، فهو وعيد لهم وتهديد ، كقول القائل لمن يريد تهديده : إذاً أتفرغ لك ، أي : أقصدك . وقال الزجاج : الفراغ في اللغة على ضربين : أحدهما الفراغ من الشغل ، والآخر القصد للشيء . والإقبال عليه ، كما هنا ، وهو تهديد ووعيد ، تقول : قد فرغت مما كنت فيه ، أي : قد زال شغلي به . وتقول : سأفرغ لفلان ، أي : سأجعله قصدي . فهو على سبيل التمثيل ، شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة ، من الأخذ في الجزاء ، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين ، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي ، والإماتة والإحياء ، والمنع والإعطاء ، وأنه لا يشغله شأن عن شأن بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر ، إذا فرغ من ذلك الشغل ، شرع في آخر . وجازت الاستعارة التصريحية أيضاً . وقد ألم به صاحب ( المفتاح ) حيث قال : الفراغ : الخلاص عن المهام . والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن ، وقع مستعاراً للأخذ في الجزاء وحده . لطيفة ترسم { أَيُّهَ } بغير ألف ، وأما في النطق فقرأ أبو عمرو الكسائي : ( أيها ) بالألف في الوقف ، ووقف الباقون على الرسم ( أيه ) بتسكين الهاء ، وفي الوصل قرأ ابن عامر ( أيهُ ) برفع الهاء ، والباقون بنصبها . و { ٱلثَّقَلاَنِ } تثنية ( ثَقَل ) بفتحتين ، فَعَل بمعنى مفعل ؛ لأنهما أثقلا الأرض ، أو بمعنى مفعول ، لأنهما أُثقلا بالتكاليف . وقال الحسن : لثقلهما بالذنوب . والخطاب في { لَكُمْ } قيل : للمجرمين ، لكن يأباه قوله : ( أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ ) نعم ! المقصود بالتهديد هم ، ولا مانع من تهديد الجميع - كما أفاده الشهاب - ولا يفهم من هذا اللفظ الكريم وعيد بحت ، بل هو حامل للوعد أيضاً ؛ لأن المعنى : سنفرغ لحسابكم ، فنثيب أهل الطاعة ، ونعاقب العصاة ، وهو جليّ . ولذا اعتد ذلك نعمة عليهم بقوله : { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي : من ثوابه أهلَ طاعته ، وعقابه أهلَ معصيته .