Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 8-9)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } أي : بالإفراط عن حدّ الفضيلة والاعتدال ، فيلزم الجور الموجب للفساد . و ( أن ) مصدرية على تقدير الجارّ ، أي : لئلا تطغوا فيه ، أو مفسرة لما في وضع الميزان من معنى القول ؛ لأنه بالوحي ، وإعلام الرسل . { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } أي : الاستقامة في الطريقة ، وملازمة حدّ الفضيلة ، ونقطة الاعتدال في جميع الأمور ، وكل القوى . { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } قال القاشانيّ : أي : بالتفريط عن حدّ الفضيلة . قال بعض الحكماء : العدل : ميزان الله تعالى ، وضعه للخلق ، ونصبه للحق . انتهى . وممن فسّر { ٱلْمِيزَانَ } في الآية بالعدل ، مجاهد وتبعه ابن جرير ، وكذا ابن كثير ، ونظر لذلك بآية { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } [ الحديد : 25 ] وجوّز أن يراد بالميزان ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما . ومنه قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : فيه وجوب العدل في الوزن ، وتحريم البخس فيه ، وعليه ، فوجه اتصال قوله : { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } بما قبله ، هو أنه لما وصف السماء بالرفعة التي هي مصدر القضايا والأقدار ، أراد وصف الأرض بما فيها ، مما يظهر به التفاوت ، ويعرف به المقدار ، ويسوّى به الحقوق والمواجب ، كذا ارتآه القاضي ، والله أعلم . وفي الحقيقة ، الثاني من أفرد الأول ، وأخذ اللفظ عامّاً أولى وأفيد . من اللطائف التي يتسع لها نظم الآية الكريمة قول الرازيّ : { ٱلْمِيزَانَ } ذكر ثلاث مرات ، كل مرة بمعنى ، فالأول : هو الآلة ، والثاني : بمعنى المصدر ، والثالث : للمفعول . قال : وهو كالقرآن ، ذكر بمعنى المصدر في قوله تعالى : { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] ؛ وبمعنى المقروء في قوله : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [ القيامة : 17 ] وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] ، فكأنه آلة ومحل له ؛ وفي قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } [ الحجر : 87 ] ثم قال : وبين القرآن والميزان مناسبة ، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب ، والميزان فيه من العدل مالا يوجد في غيره من الآلات . انتهى .