Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 153-153)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } يقرأ بفتح همزة ( أن ) والتشديد . ومحلها مع ما في حيزها الجرّ بحذف لام العلة . أي : ولأن هذا الذي وصيتكم به من الأمر والنهي طريقي وديني الذي ارتضيته لعبادي قويماً لا اعوجاج فيه ، فاعملوا به . وجوز أن يكون محلها مع ما في حيزها النصب على { مَا حَرَّمَ } [ الأنعام : 151 ] أي : وأتلو عليكم أن هذا صراطي . وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } يعني : الأديان المختلفة أو طرق البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } أي : فتفرقكم عن صراطه المستقيم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لعباده . روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال : " هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً … } الآية " ورواه الحاكم وصححه . لطائف قال الكيا الهراسيّ : في الآية دليل على منع النظر والرأي ، مع وجود النص . قال ابن كثير : إنما وحّد ( سبيله ) لأن الحق واحد ولهذا جمع ( السبل ) لتفرقها وتشعبها . كما قال تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] . قال ابن عطية : وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية ، وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات ، من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع ، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام . وهذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد . قال قتادة : اعلموا أن السبيل سبيل واحد . جماعة الهدى ، ومصيره الجنة . وأن إبليس استبدع سبلا متفرقة . جماعة الضلالة ، ومصرها إلى النار . وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية وفي قوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [ الشورى : 13 ] وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله . { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من اتباع سبيله تعالى وترك اتباع سائر السبل { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي : اتباع سبل الكفر والضلالة . وفيه تأكيد أيضاً . روى الترمذيّ وحسنه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه ، فليقرأ هؤلاء الآيات : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ الأنعام : 151 ] إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . وروى الحاكم ، وصححه عن ابن عباس قال : في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ثم قرأ : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … } [ الأنعام : 151 ] الآيات . وروى الحاكم وصححه ، وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ؟ " ثم تلا قوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … } [ الأنعام : 151 ] حتى فرغ من ثلاث آيات . ثم قال : ومن وفى بهن فأجره على الله . ومن انتقص منهن شيئاً ، فأدركه الله في الدنيا ، كانت عقوبته . ومن أخره إلى الآخرة . كان أمره إلى الله . إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه " . لطيفة قال النسفيّ : ذكر أولاً { تَعْقِلُونَ } [ الأنعام : 151 ] ثم { تَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] ثم { تَتَّقُونَ } لأنهم إذا عقلوا تفكروا ، ثم تذكروا ، أي : اتعظوا ، فاتقوا المحارم . انتهى .