Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 92-92)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهَـٰذَا } يعني : القرآن ، { كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ } أي : كثير المنافع والفوائد ، لاشتماله على منافع الدارين ، وعوم الأولين والآخرين ، ما لا يتناهى من الفوائد . قال الرازيّ : العلوم إما نظرية ، وإما عملية . فالأولى أشرفها . وأكملها معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه . ولا ترى هذه العلوم أكمل ولا أشرف مما تجده في هذا الكتاب . وأما الثانية : فالمطلوب إما أعمال الجوارح ، وإما أعمال القلوب ، وهو المسمى بطهارة الأخلاق ، وتزكية النفس . ولا تجد هذين العلمين مثل ما تجده في هذا الكتاب . ثم جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه ، والمتمسك به ، يحصل له عز الدنيا ، وسعادة الآخرة . انتهى . قال الخفاجيّ : وقد شوهد ذلك في كل عصر . { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، أي : من التوراة أو من الكتب التي أنزلت قبله ، في إثبات التوحيد ، والأمر به ، ونفي الشرك ، والنهي عنه . وفي سائر أصول الشرائع التي لا تنسخ . { وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } يعني : مكة . سميت بذلك لأنها مكان أول بيت وضع للناس ، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم ، ولأنها أعظم القرى شأناً ، وغيرها كالتبع لها ، كما يتبع الفرع الأصل . وفي ذكرها بهذا الاسم ، المنبئ عما ذكر ، إشعار بأن إنذار أهلها مستتبع لإنذار أهل الأرض كافة . { وَمَنْ حَوْلَهَا } من أطراف الأرض ، شرقاً وغرباً . كما قال في الآية الأخرى : { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقوله : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] ، وقال : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] ، وقال تعالى : { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } [ آل عمران : 20 ] . وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " وذكر منهن : " وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة " . { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ، ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر ، حتى يؤمن بالنبيّ والكتاب ( والضمير يحتملهما ) ويحافظ على الصلاة . والمراد بها إما الطاعة مجازاً ، أو حقيقتها ، وتخصيصها لكونها أشرف العبادات بعد الإيمان ، وأعظمها خطرا . قال الرازيّ : ألا ترى أنه لم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات الظاهرة إلا على الصلاة ، كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 143 ] . أي : صلاتكم . ولم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلا على ترك الصلاة . قال عليه الصلاة والسلام : " من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر " فلما اختصت الصلاة بهذا النوع من التشريف ، لا جرم خصها الله بالذكر في هذا المقام . انتهى . أقول : الحديث المذكور رواه الطبراني في أوسط معاجمه عن أنس وصحح . وتمامه : " فقد كفر جهراً " - كما في الجامع الصغير - . أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق ، قال في هذه الآية : أي : يحافظون على مواقيتها .