Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-93)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : اختلق إفكا ، فجعل له شركاء أو ولداً ، أو أحكاما في الحل والحرمة ، كعمرو بن لحيّ وأشباهه ، ممن جعل قوله قول الله . { أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } ممن ادعى النبوة كذباً . وهذا يزيد على الافتراء في دعوى النبوة . قال البقاعيّ : هذا تهديد على سبيل الإجمال ، كعادة القرآن الجميل ، يدخل فيه كل من اتصف بشيء من ذلك ، كمسيلمة والأسود العنسي وغيرهما . ثم قال : رأيت في كتاب ( غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود ) لابن يحيى المغربيّ الذي كان من علمائهم في حدود سنة 560 ثم هداه الله للإسلام فبين فضائحهم : إن الربانيين منهم زعموا أن الله يوحي إلى جميعهم في كل يوم مرات . ثم قال : إن الربانيين أكثرهم عددا ، يزعمون أن الله يخاطبهم في كل مسألة بالصواب . وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم في الأمم . انتهى . { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي : ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول ، كالنضر بن الحارث . وهذا كقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } [ الأنفال : 31 ] . قال المهايميّ : أي ومن أنكر إعجاز القرآن حتى قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ، مع أنه قد عرف إعجازه ، فكأنه ادعى لنفسه قدرة الله ، فكأنه ادعى الإلهية لنفسه . ولا يجترئ على هذه الوجوه من الظلم من يؤمن بالآخرة ، فيعلم ما للظالمين فيها ، المبيّن بقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } . أي : شدائده وسكراته وكرباته ، { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي : بالضرب والعذاب ، كقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50 ] . { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ } أي : قائلين لهم : أخرجوا إلينا أرواحكم من أجسادكم ، تغليظاً وتوبيخاً وتعنيفاً عليهم . وقد جنح بعضهم إلى أن ما ذكر من مجاز التمثيل . أي : فشبه فعل الملائكة في قبض أرواحهم ، بفعل الغريم الذي يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف في استيفاء حقه من غير إمهال . وفي ( الكشف ) أنه كناية عن ذلك ، ولا بسط ولا قول حقيقة . قال الناصر في ( الانتصاف ) : ولا حاجة إلى ذلك . والظاهر أنهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة ، على الصور المحكية . وإذا أمكن البقاء على الحقيقة ، فلا معدل عنها . انتهى . وقال الحافظ ابن كثير : إن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم ، فتتفرق روحه في جسده ، وتعصى ، وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم ، قائلين لهم : أخرجوا أنفسكم . انتهى . أقول : مما يؤيد الحقيقة آية : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى } [ الأنفال : 50 ] المتقدمة ، فإنها صريحة . ومراعاة النظائر القرآنية أعظم ما يفيد في باب التأويل . قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في هذه الآية حال الكافر عند القبض ، وعذاب القبر . واستدل بها محمد بن قيس على أن لملك الموت أعواناً من الملائكة - أخرجه ابن أبي حاتم - . { ٱلْيَوْمَ } أي : وقت الإماتة ، أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له . { تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي ، الهوان الشديد ، { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } كالتحريف ودعوى النبوة الكاذبة . وهو جراءة على الله متضمنة للاستهانة به - قاله المهايميّ - { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } حتى قال بعضكم : سأنزل مثل ما أنزل الله .