Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 4-4)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ } أي : كرره { كَرَّتَيْنِ } أي : رجعتين أخريين ، ابتغاء الخلل والفساد والعبث . والمراد بالتثنية التكرير . { يَنْقَلِبْ } أي : يرجع { إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً } أي : مطروداً عن إصابة المطلوب . { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : معي كال . تنبيهات الأول : ذهب الزمخشري إلى أن قوله تعالى : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } [ الملك : 3 ] صفة ثانية لقول : { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ الملك : 3 ] وضع فيها - خلق الرحمن - موضع الضمير للتعظيم ، والأصل ( فيهن ) وتابعة القاضي والقاشاني ، وعبارته : نهاية كمال عالم الملك في خلق السماوات ، لا ترى أحكم خلقاً ، وأحسن نظاماً وطباقاً منها . وأضاف خلقها إلى الرحمن ؛ لأنها من أصول النعم الظاهرة , ومباديء سائر النعم الدنيوية ، وسلب التفاوت عنها لمطابقة بعضها بعضاً ، وحسن انتظامها وتناسبها . وإنما قال : { ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } لأن تكرار النظر ، وتجوال الفكر ، مما يفيد تحقق الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق ، لا يفيد إلا الخسوء والحسور ، تحقق الامتناع ، وما أتعب من طلب وجود الممتنع . انتهى . ولو جعل قوله تعالى : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } [ الملك : 3 ] مستأنفاً ، مقرراً بعمومه لتناسب خلقه وإتقانه ، وتناهي حسنه ، فيشمل ما قبله - لكان أولى من تخصيصه بوصفية ما قبله ، ويكون كآية : { أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السجدة : 7 ] وآية : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النمل : 88 ] وتلطف بعضهم فقال : في الآية إشارة إلى قياس تقديره : ما ترى فيها من تفاوت لأنها من خلقه تعالى . وما ترى في خلقه من تفاوت . الثاني : للإمام ابن حزم رحمه الله كلام في هذه الآية في كتاب ( الفصل ) ساقه في مباحثه مع المعتزلة ، نأثره هنا لنفاسته ، قال رحمه الله : التفاوت المعهود هو ما نافر النفوس ، أو خرج عن المعهود ، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتاً ، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله تعالى عن خلقه ، فإذن ليس هو الذي يسميه الناس تفاوتاً ، فلم يبق إلا أن التفاوت الذي نفاه الله تعالى عما خلق هو شيء غير موجود فيه ألبتة ؛ لأنه لو وجد في خلق الله تعالى تفاوت ، لكذب قول الله عز وجل : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } [ الملك : 3 ] ولا يكذب الله تعالى إلا كافر ، فبطل ظن المعتزلة أن الكفر والظلم والكذب والجور تفاوت ؛ لأن كل ذلك موجود في خلق الله عز وجل ، مرئي فيه ، مشاهد بالعيان فيه ، فبطل احتجاجهم . فإن قال قائل : فما هذا التفاوت الذي أخبر الله عز وجل أنه لا يرى في خلقه ؟ قيل لهم : هو اسم لا يقع على مسمى موجود في العالم أصلاً ، بل هو معدوم جملة ، إذ لو كان شيئاً موجوداً في العالم ، لوجد التفاوت في خلق الله تعالى . والله تعالى قد أكذب هذا وأخبر أنه لا يرى في خلقه . ثم نقول ، وبالله تعالى التوفيق : إن العالم كله ما دون الله تعالى ، وهو كله مخلوق لله تعالى ، أجسامه وأعراضه كلها ، لا نحاشي شيئاً منها . ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه ، وأنواع أجسامه ، جرت القسمة جرياً مستوياً في تفضيل أجناسه وأنواعه ، بحدودها المميزة لها ، وفصولها المفرقة بينها ، على رتبة واحدة , وهيأة واحدة ، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي أنواع الأنواع ؛ لا تفاوت في شيء من ذلك ألبتة بوجه من الوجوه ، ولا تخالف في شيء منه أصلاً . ومن وقف على هذا علم أن الصورة المستقبحة عندنا ، والصورة المستحسنة عندنا . واقعتان معاً تحت نوع الشكل والتخطيط ، ثم تحت نوع الكيفية ، ثم تحت اسم العرض ، وقوعاً مستوياً لا تفاضل فيه ، ولا تفاوت في هذا بوجه من التقسيم . وكذلك أيضاً نعلم أن الكفر والإيمان بالقلب واقعان تحت نوع الاعتقاد ، ثم تحت فعل النفس ، ثم تحت الكيفية والعرض ، وقوعاً مستوياً لا تفاضل فيه ، ولا تفاوت من هذا الوجه من التقسيم . وكذلك أيضاً نعلم أن الإيمان والكفر باللسان واقعان تحت نوع فرع الهواء بآلات الكلام ، ثم تحت نوع الحركة وتحت نوع الكيفية ، وتحت اسم العرض ، وقوعا حقا مستويا لا تفاوت فيه ولا اختلاف . وهكذا القول في الظلم والإنصاف ، وفي العدل والجور ، وفي الصدق والكذب ، وفي الزنا والوطء الحلال . وكذلك كل ما في العالم ، حتى يرجع جميع الموجودات إلى الرؤوس الأول التي ليس فوقها رأس يجمعها إلا كونها مخلوقة لله تعالى . وهي الجوهر والكم والكيف والإضافة . فانتفى التفاوت عن كل ما خلق الله تعالى ، وعادت الآية المذكورة حجة على المعتزلة ، ضرورة لا منفك لهم عنها ، وهي أنه لو كان وجود الكفر والكذب والظلم تفاوتاً كما زعموا ، لكان التفاوت موجوداً في خلق الرحمن . وقد كذب الله تعالى ذلك ، وهي أن يرى في خلقه تفاوت . انتهى كلامه . الثالث : قال الناصر : في قوله تعالى : { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً } وضع للظاهر موضع المضمر . وفيه من الفائدة التنبيه على أن الذي يرجع خاسئاً حسيراً غير مدرك الفطور ، وهو الآلة التي يلتمس بها إدراك ما هو كائن ، فإذا لم يدرك شيء دلّ على أنه لا شيء .