Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-17)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه : { كَلاَّ } ردع عن المعاتَب عليه وعن معاودة مثله . قال أنس رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه " رواه أبو يعلى . وقوله تعالى : { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } أي : إن المعاتبة المذكورة موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها . قال الشهاب : وكون عتابه على ما ذكر عظة ؛ لأنه مع عظمة شأنه ومنزلته عند الله إذا عوتب على مثله . فما بالك بغيره ؟ وجوز عود الضمير للآيات وللسورة ، وللوصية بالمساواة بين الناس ، ولدعوة الإسلام . وقوله تعالى : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي : حفظه . على أنه من ( الذكر ) خلاف النسيان : أو اتعظ به ، من ( التذكير ) . قال الزمخشري : وذكر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ . وقيل : الضمير للقرآن ، والكلام استطراد { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } يعني : صحف آيات التنزيل وسورة { مَّرْفُوعَةٍ } أي : عالية المقدار { مُّطَهَّرَةٍ } من التغيير والنقص والضلالة { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } جمع سافر بمعنى سفير . أو هو الذي يسعى بين قومه بالصلح والسلام . يقال : سفر بين القوم إذا أصلح بينهم . ومنه قوله . @ وما أدعُ السفارةَ بين قومي وما أَمْشِي بِغِشٍ ، إن مَشَيْتُ @@ والسفرة ، إما الملائكة لأنهم يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله ، كأنه محمول بأيديهم . وإما الأنبياء لأنهم وسائط في الوحي يبلغونه للناس { كِرَامٍ } أي : عنده تعالى ، لاصطفائهم للرسالة { بَرَرَةٍ } أي : أخيار ، جمع ( بارّ ) وهو صانع البر والخير . { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } قال الرازي : اعلم أنه تعالى لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين ، عجب عباده المؤمنين من ذلك . فكأنه قيل : وأي سبب في هذا العجب والترفع ؟ مع أن أوله نطفه قذرة وآخره جيفة مذرة . وفيما بين الوقتين حمال عذرة . فلا جرم ، ذكر تعالى ما يصلح أن يكون علاجاً لعجبهم ، وما يصلح أن يكون علاجاً لكفرهم . فإن خلقة الإنسان تصلح لأن يستدل بها على وجود الصانع وعلى القول بالبعث والحشر والنشر . ومرجعه إلى أن المراد بالإنسان من استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة للإقبال عليه والإيمان به . وجوز أن يراد بالإنسان الجنس المنتظم للمستغني ، ولأمثاله من أفراده ، لا باعتبار جميع أفراده . لطائف الأولى : قال الزمخشري : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم ؛ لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها . الثانية : قال ابن جرير : في قوله : { مَآ أَكْفَرَهُ } وجهان : أحدهما : التعجب من كفره مع إحسان الله إليه وأياديه عنده . والآخر : ما الذي أكفره ؛ أي : أيٌّ شيء أكفره . وعلى الثانية ، فالهمزة للتصيير كـ ( أَغَدَّ البعيرُ ) . الثالثة : قال الزمخشري في هذه الآية : ولا ترى أسلوباً أغلظ منه ولا أخشن متناً ولا أدل على سخطٍ ولا أبعد شوطاً في المذمة ، مع تقارب طرفيه ولا أجمع لِلأئمةٍ ، على قصر متنه . وسره ما أشار له الرازي من أن قوله : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب . وقوله : { مَآ أَكْفَرَهُ } تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات . الرابعة : أفاد في ( الكشف ) : أن الدعاء ليس على حقيقته ، لامتناعه منه تعالى . لأن منشأه العجز . فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأول ، وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني ، أي لاستحالة التعجب بمعناه المعروف أيضاً .