Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 3-10)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } أي : يتطهر - بما يتلقن منك - من الجهل أو الإثم . وفي الالتفات إلى الخطاب إنكار للمواجهة بالعتب أولاً ، إذ في الغيبة إجلال له صلى الله عليه وسلم ، لإيهام أن من صدر منه ذلك غيره ؛ لأنه لا يصدر عنه مثله . كما أن في الخطاب إيناساً بعد الإيحاش ، وإقبالاً بعد إعراض . وقال أبو السعود : وكلمة ( لعل ) مع تحقق التزكي ، واردة على سنن الكبرياء أو على اعتبار معنى الترجي بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام . للتنبيه على أن الإعراض عنه ، عند كونه مرجو التزكي ، مما لا يجوز . فكيف إذا كان مقطوعاً بالتزكي ؟ كما في قولك : ( لعلك ستندم على ما فعلت ) وفيه إشارة إلى أن إعراضه كان لتزكية غيره . وأن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : يعتبر ويتعظ فتنفعه موعظتك . وتقديم التزكية على التذكر ، من باب تقديم التخلية على التحلية . { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } أي : بماله وقوته عن سماع القرآن والهداية والموعظة { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي : تتعرض بالإقبال عليه ، رجاء أن يسلم ويهتدي { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } أي : وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام . إنْ عليك إلا البلاغ . قال الرازيّ : أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم ، إلى أن تعرض عمن أسلم ، للاشتغال بدعوتهم { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } أي : يسرع في طلب الخير { وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي : يخاف الله ويتقيه { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي : تعرض وتتشاغل بغيره . تنبيهات الأول : قال السيوطي في ( الإكليل ) : في هذه الآيات حث على الترحيب بالفقراء والإقبال عليهم في مجلس العلم وقضاء حوائجهم ، وعدم إيثار الأغنياء عليهم . وقال الزمخشري : لقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً . فقد روي عن سفيان الثوريّ رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء . الثاني : في هذه الآيات ونحوها ، دليل على عدم ضنه صلى الله عليه وسلم بالغيب . قال ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئاً ، كتم هذا عن نفسه . الثالث : قال الرازي : القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام ، تمسكوا بهذه الآية وقالوا : لما عاتبه الله في ذلك الفعل ، دل على أن ذلك الفعل كان معصية . وهذا بعيد . فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين ، إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد . وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء . وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه السلام ، وإذا كان كذلك ، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط وترك الأفضل ، فلم يكن ذلك ذنباً ألبتة . وأجاب الإمام ابن حزم في ( الفِصَل ) بقوله : وأما قوله : { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } الآيات فإنه كان عليه السلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش ، ورجا إسلامه . وعلم عليه السلام أنه لو أسلم لأسلم بإسلامه ناس كثير ، وأظهر الدين . وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته ، وهو حاضر معه . فاشتغل عنه عليه السلام بما خاف فوته من عظيم الخير ، عما لا يخاف فوته . وهذا غاية النظر في الدين والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر ونهاية التقرب إلى الله ، الذي لو فعله اليوم منا فاعل ، لأُجرَ . فعاتبه الله عز وجل على ذلك ، إذ كان الأولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقيّ ، وهذا نفس ما قلناه ! انتهى . وقال القاشاني : كان صلى الله عليه وسلم في حجر تربية ربه ، لكونه حبيباً . فكما ظهرت نفسه بصفة حجبت عنه نور الحق ، عوتب وأدب . كما قال : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " إلى أن تخلق بأخلاقه تعالى .