Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 61-61)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنْهُمُ } أي : من الذين يحلفون بالله إنهم لمنكم ، من هو أشدّ من اللامز في الصدقات إذ هم { ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي : يسمع كل ما يقال له ويصدقه ، ويعنون إنه ليس بعيد الغور ، بل سريع الإغترار بكل ما يسمع . قال أبو السعود : وإنما قالوه لأنه صلوات الله عليه كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا ، ويصفح عنهم حلماً وكرماً ، فحملوه على سلامة القلب ، وقالوا ما قالوا . قال اللغويون : ( الأُذُن ) الرجل المستمع القابل لما يقال له ، وصفوا به الواحد والجمع ، فيقال : رجلٌ أذن ، ورجالٌ أذن ، وامرأةٌ أذن ، فلا يثنى ولا يجمع ، وإنما سموه باسم العضو تهويلاً وتشنيعاً ، فهو مجاز مرسل ، أطلق فيه الجزء على الكل مبالغة بجعل جملته ، لفرط استماعه ، آلةَ السماع ، كما سمي الجاسوس عيناً لذلك ، ونحوُه : @ إذا ما بدت ليلَى فكلِّيَ أعينٌ وإن حدثوا عنها فكلِّي مسامعُ @@ وجعله بعضهم من قبيل التشبيه : بـ ( الأُذُن ) في أنه ليس فيه وراء الإستماع تمييز حق عن باطل . قال الشهاب : وليس بشيء يعتد به . وقيل إنه على تقدير مضاف ، أي : ذو أذن . قال الشهاب : وهو مُذْهِب لرونقه . وقيل : هو صفة مشبهة من ( أذن إليه وله ) كفرح : استمع . قال عمرو بن الأهيم : @ فلما أنْ تَسَايَرْنَا قلِيلاً أَذِنَّ إلَى الْحَدِيثِ فَهُنَّ صُورُ @@ ولِقَعنب بن أم صاحب : @ إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً مني وما سَمعُوا من صالح دَفَنُوا صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذكرتُ بِهِ وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندَهُمْ أَذِنُوا @@ وفي الحديث : " ما أذن الله لشيء ما أذِن للنبيّ يتغنى بالقرآن " قال أبو عبيد : يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لمن يتلوه ، يجهر به . وقوله عز وجل : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 2 ] ، أي : استمعت . كذا في ( تاج العروس ) . وعلى هذا فـ ( أُذن ) صفة بمعنى سميع ولا تجوّز فيه ، ففيه أربعة أوجه . وعطف قوله تعالى : { وَيِقُولُونَ } عطف تفسير : لأنه نفس الإيذاء . وقوله تعالى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة ، كرجل صدق ، تريد المبالغة في الجودة والصلاح ، كأنه قيل : نعم هو أذن ، ولكن نِعْمَ الأذن ، أو إضافته على معنى ( في ) أي : هو أذن في الخير والحق ، وفيما يجب سماعه وقبوله ، وليس بأذن في غير ذلك . ودل عليه قراءة حمزة . ( ورحمةٍ ) بالجر عطفاً عليه ، أي : هو أذن خير لكم ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله . ثم فسر كونه أذن خير بقوله : { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } قال القاشانيّ : هو بيان لينه صلى الله عليه وسلم وقابليته ، لأن الإيمان لا يكون إلا مع سلامة القلب ، ولطافة النفس ولينها { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : يصدق قولهم في الخيرات ، ويسمع كلامهم فيها ويقبله { وَرَحْمَةٌ } أي : وهو رحمة { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي : يعطف عليهم ، ويرقّ لهم ، فينجيهم من العذاب بالتزكية والتعليم ، ويصلح أمر معاشهم ومعادهم ، بالبر والصلة ، وتعليم الأخلاق من الحلم والشفقة والأمر بالمعروف ، باتباعهم إياه فيها ، ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في الدارين ، والتحريض على أبواب البر بالقول والفعل ، إلى غير ذلك . قاله القاشاني . وقال غيره : أي هو رحمة للذين أظهروا الإيمان منكم ، معشر المنافقين ، حيث يقبله ، لا تصديقاً لكم ، بل رفقاً بكم ، وترحماً عليكم ، ولا يكشف أسراركم ، ولا يفضحكم ، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين ، مراعاة لما رأى تعالى من الحكمة في الإبقاء عليكم . وقال الشهاب : والمعنى : هو أذن خير يسمع آيات الله ودلائله فيصدقها ويستمع للمؤمنين ، فيسلم لهم ما يقولون ، ويصدقهم ، وهو تعريض بأن المنافقين أذن شر ، يسمعون آيات الله ولا يثقون بها ، ويسمعون قول المؤمنين ، ولا يقبلونه وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع أقوالهم إلا شفقة عليهم ، لا أنه يقبله لعدم تمييزه ، كما زعموا . وقال القاشاني في ( تفسيره ) : كانوا يؤذونه ، صلوات الله عليه ، ويغتابونه بسلامة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمع ، فصدقهم في ذلك وسلّم وقال : هو كذلك ، ولكن بالنسبة إلى الخير ، فإن النفس الأبية والغليظة الجافية ، والكزة القاسية التي تتصلب في الأمور ، ولا تتأثر ، غير مستعدة للكمال ، إذ الكمال الإِنسانيّ لا يكون إلا بالقبول والتأثر ، فكلما كانت النفس ألين عريكة ، وأسلم قلباً ، وأسهل قبولاً ، كانت أقبل للكمال ، وأشد استعداداً له . وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبلاهة الذي يقتضي الإنفعال من كل ما يسمع ، حتى المحال ، والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه ، حتى الكذب والشرور والضلال ، بل هو من باب اللطافة ، وسرعة القبول لما يناسبه من الخير والصدق ، فلذلك قال : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ } إذ صفاء الاستعداد ، ولطف النفس ، يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات ، لا ما ينافيه من باب الشرور ، فإن الإستعداد الخيريّ لا يقبل الشر ، ولا يتأثر به ، ولا ينطبع فيه ، لمنافاته إياه ، وبعده عنه . انتهى . لطائف الأولى : في قوله تعالى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ } أبلغ أسلوب في الرد عليهم ، فإنه صدقهم في كونه أذناً ، إلا أنه فسره بما هو مدح له ، وثناء عليه . قال الناصر : لا شيء أبلغ من الردّ عليهم بهذا الوجه ، لأنه ، في الأول ، إطماع لهم بالموافقة ، ثم كرّ على طمعهم بالحسم ، وأعقبهم في تنقصه باليأس منه . ويضاهي هذا من مستعملات الفقهاء ، القول بالموجب ؛ لأن في أوله إطماعاً للخصم بالتسليم ، ثم بتّاً للطمع على قرب ، ولا شيء أقطع من الإطماع ثم اليأس يتلوه ويعقبه . والله الموفق . الثانية : ( اللام ) في قوله تعالى : { لِلْمُؤْمِنِينَ } مزيدة للتفرقة بين الإيمان المشهور ، وهو الاعتراف ، وبين الإيمان بمعنى التسليم والتصديق - قاله أبو السعود تبعاً للقاضي . قال الشهاب : يعني : أن الإيمان بالله بمعنى الاعتراف والتصديق ، يتعدى بالباء ، فلذا قال { بِٱللَّهِ } والإيمان للمؤمنين بمعنى جعلهم في أمان من التكذيب بتصديقه لهم ، لما علم من خلوصهم ، متعد بنفسه ، فاللام فيه مزيدة للتقوية . الثالثة : قال أبو السعود : إسناد الإيمان إليهم بصيغة الفعل ، بعد نسبته إلى المؤمنين بصيغة الفاعل المنبئة عن الرسوخ والاستمرار - للإيذان بأن إيمانهم أمر حادث ما له من قرار . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي : بما نقل عنهم من قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } ونحوه { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : بما يجترئون عليه من إيذانه . قال أبو السعود : وهذا اعتراض مسوق من قِبَلِه عزَّ وجلَّ على نهج الوعيد ، غير داخل تحت الخطاب . وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة مضافاً إلى الاسم الجليل ، لغاية التعظيم ، والتنبيه على أن أذيته راجعة إلى جنابه عزَّ وجلَّ ، موجبة لكمال السخط والغضب . انتهى .