Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 8-16)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } قال القاشاني : أي : ألم ننعم عليه بالآلات البدنية التي يتمكن بها من اكتساب الكمال ، ليبصر ما يعتبر به ، ويسأل عما لا يعلم ، ويتكلم فيه ؟ . وقال السيد المرتضى : هذا تذكير بنعم الله عليهم ، وما أزاح به علتهم في تكاليفهم ، وما تفضل به عليهم من الآلات التي يتوصلون بها إلى منافعهم ، ويدفعون بها المضار عنهم ؛ لأن الحاجة إلى أكثر المنافع الدينية والدنيوية ماسة . فالحاجة إلى العينين للرؤية ، واللسان للنطق ، والشفتين لحبس الطعام والشراب وإمساكهما في الفم ، والنطق أيضاً . وقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } أي : طريقي الخير والشر . قال الإمام : النجد مشهور في الطريق المرتفعة والمراد بهما : طريقا الخير والشر . وإنما سماهما نجدين ؛ ليشير إلى أن في كل منهما وعورة وصعوبة مسلك فليس الشر بأهون من الخير كما يُظَن ، وإلى أنهما واضحان جليان لا يخفى واحد منهما على سالك . أي : أودعنا في فطرته التمييز بين الخير والشر . وأقمنا له من وجدانه وعقله أعلاما تدله عليهما . ثم وهبناه الاختيار ، فإليه أن يختار أي الطريقين شاء . فالذي وهب الإنسان هذه الآلات ، وأودع باطنه تلك القوى ، لا يمكن للإنسان أن يفلت من قدرته ، ولا يجوز أن يخفى عليه شيء من سريرته . { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } أي : فلم يشكر تلك النعم الجليلة باقتحام العقبة . و ( الاقتحام ) الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة . و { ٱلْعَقَبَةَ } : الطريق الوعرة في الجبل يصعب سلوكها . استعارها لما يأتي ، لما فيه من معاناة المشقة ومجاهدة النفس { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } أي : أي شيء أعلمك ما اقتحام العقبة ؟ وفي الاستفهام زيادة تقريرها وكونها عند الله تعالى بمكانة رفيعة { فَكُّ رَقَبَةٍ } أي : عتقها . أو المعاونة عليه . وتخليصها من الرق وأسر العبودية . رجوعا به إلى ما فطرت عليه من الحرية { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } أي : مجاعة { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } أي : قرابة . قال السيد المرتضى : وهذا خص على تقديم ذوي النسب والقربى المحتاجين ، على الأجانب في الإفضال . قال : وقد يمكن في { مَقْرَبَةٍ } أن يكون غير مأخوذ من القرابة والقربى ، بل من ( القُرْب ) الذي هو من الخاصرة ، فكأن المعنى أنه يطعم من خَاصِرَتُهُ لصقت من شدة الجوع والضرّ . وهذا أشبه بقوله تعالى : { ذَا مَتْرَبَةٍ } لأن كل ذلك مبالغة في وصفه بالضر . وليس من المبالغة في الوصف بالضر أن يكون قريب النسب . انتهى . وقوله تعالى : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أي : فقر شديد لا يواريه إلا التراب . يقال ( ترب ) كأنه لصق بالتراب . ويقال : ( فقر مدقع ) و ( فقير مدقع ) بمعنى لاصق بالدقعاء ، وهي التراب . لطيفة ذهب الأكثرون إلى أن ( لا ) من قوله : { فَلاَ } نافية . وإنما لم تكرر ، مع أن العرب لا تكاد تفردها ، كما جاء في آية : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [ القيامة : 31 ] . { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] استغناء بدلالة بقية الكلام على تكرارها ؛ لأن ( لا اقتحم ) لما فسر بما بعده كان في قوة ( لا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ) وفي الآية أجوبة أخرى . منها أنه لما عطف عليه ، كان وهو منفي أيضاً . فكأنها كررت . وقيل ( لا ) للدعاء . كقولهم : ( لا نجا ولا سلم ) وقيل مخففة من ( ألا ) التي للتحضيض . وقيل : إنها للنفي فيما يستقبل . وقال الإمام : أما ما قيل من أن ( لا ) إذا دخلت على الماضي وجب تكرارها ، ولم تكرر في الآية ، فذلك لا يلتفت إليه ؛ لأن الكتاب نفسه حجة في الفصاحة . وقد ورد في كلامهم عدم تكرارها . وقوله تعالى : { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .