Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 6-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } أي : حقّاً إن الإنسان ليتجاوز حده ويستكبر على ربه ، أن رأى نفسه استغنت . فـ ( كلا ) بمعنى ( حقّاً ) لعدم ما يتوجه إليه الردع ظاهراً ، لتأخر نزول هذا عما قبله - على ما تقدم في المأثور - أو هو ردع لمن كفر بنعمة الله بطغيانه وإن لم يذكر ، لدلالة الكلام عليه . فإن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان . فإذا قيل : { كَلاَّ } يكون ردعاً للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران والطغيان . أي : ما هكذا ينبغي أن يكون الأنسان . ينعم عليه ربه بتسوية خلقه وتعليمه ما لم يكن يعلم ، وإنعامه بما لا كفء له ، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك ويطغى عليه أن رآه استغنى . قال الكرخي : ومذهب أبي حيان أن { كَلاَّ } بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية ، وصوبه ابن هشام بكسر همزة ( إن ) بعدها كما بعد حرف التنبيه . وفي ( الكواشي ) : يجوز في ( كلا ) أن تكون تنبيهاً فيقف على ما قبلها . وردعا ، فيقف عليها . تنبيه دلت الآية على قاعدة عظيمة في باب التمول المحمود ، قررها الحكماء المصلحون . وهو ألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير . قالوا : لأن إفراط الثروة مهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان ، كما نطقت به الآية الكريمة . قال بعض الحكماء : التمول لأجل الحاجات وبقدرها ، محمود بثلاثة شروط . وإلا كان حرص التمول من أقبح الخصال . الشرط الأول : أن يكون إحراز المال بوجه مشروع حلال . أي إحرازه من بذل الطبيعة أو بالمعارضة أو في مقابل عمل . والشرط الثاني : ألا يكون في التمول تضييق على حاجات الغير ، كاحتكار الضروريات ، أو مزاحمة الصناع والعمال الضعفاء ، أو التغلب على المباحات . مثل امتلاك الأراضي التي جعلها خالقها ممرحا لكافة مخلوقاته . وهي أمهم ترضعهم لبن جهازاتها وتغذيهم بثمراتها وتؤويهم في حضن أجزائها . الشرط الثالث لجواز التمول : هو ألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير ، وإلا فسدت الأخلاق . ولذلك حرمت الشرائع السماوية كلها ، والحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية أكل الربا . وذلك لقصد حفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية ؛ لأن الربا كسب بدون مقابل ماديّ . ففيه معنى الغصب . وبدون عمل ، ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق . وبدون تعرض لخسائر طبيعية كالتجارة والزراعة والأملاك . دع أن بالربا تربوا الثروات ، فيختل التساوي بين الناس ، كما تقدم بيانه في أواخر سورة البقرة . وقوله تعالى : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } أي : المرجع في الآخرة . قال أبو السعود : تهديد للطاغي وتحذير له من عاقبة الطغيان . والالتفات للتشديد في التهديد ، و { ٱلرُّجْعَىٰ } مصدر بمعنى الرجوع . وتقديم الظرف لقصره عليه . أي : إن إلى مالك أمرك رجوع الكل بالموت والبعث ، لا إلى غيره ، استقلالاً ولا اشتراكاً . فسترى حينئذ عاقبة طغيانك . وقد جوز كون الخطاب للرسول صلوات الله عليه ، والتهديد والتحذير بحاله .