Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 5-5)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا بيان مستأنف لحال المشركين وصفتهم عند تبليغهم الدعوة وإقامة الحجة ، افتتحت بأداة التنبيه ليتأملها السامع ويتصورها في صفتها الغريبة الدالة على أعراض الحيرة والعجز ومنتهى الجهل . يقال ثنى الثوب إذا عطف بعضه على بعض فطواه ، وأثناء الثوب أطواؤه ومطاويه ، وثناه عنه لواه وحوّله ، وثناه عليه أطبقه وطواه ليخفيه فيه ، وثنى عنانه عني أي تحول وأعرض ، وثنى عطفه أي أعرض بجانبه تكبراً ، ومنه في المجادل في الله بغير علم : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الحج : 9 ] والاستخفاء محاولة الخفاء ومنه : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 108 ] واستغشاء الثياب : التغطي بها ، ومنه قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } [ نوح : 7 ] وهو بمعنى ما نحن فيه { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } فسر بعضهم ثني الصدور هنا بالإعراض التام ، والاستدبار للرسول عند تلاوة القرآن ، وهو أبلغ من ثني العطف والجانب ، وفسره آخرون بطيها على ما هو مكنون فيها من الكراهة والعداوة له صلى الله عليه وسلم ، والأقرب أن يكون تصويراً لما كان يحاوله بعض الكفار ثم المنافقين عند سماع القرآن من الاستخفاء بتنكيس الرأس ، وثني الصدر على البطن كما يطوى الثوب ، حتى يخفى فاعله بين الجمع ، خجلاً مما فيه من القرع والصداع . فالمعنى ألا إن هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التوحيد يحنون ظهورهم وينكسون رءوسهم كأنهم يحاولون طيّ صدورهم على بطونهم عند سماع القرآن ، وهو معنى بليغ وواقع وأدنى إلى التعليل بقوله { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } أي من النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته للقرآن فلا يراهم عند وقوع هذه القوارع على رءوسهم ، أو ليستخفوا مما هم فيه من الشأن المظهر لخزيهم وجهلهم ، المثبت لعجزهم ، وهو الذي كان يتبادر إلى فهمي كلما تلوت الآية أو سمعتها قبل الاطلاع على شيء مما قيل في تفسيرها ، على أنه قد يجامع ما قبله فيصدق كل منهما على فريق من الكفار . ويناسب الأول أن يكون الاستخفاء من الله عز وجل ، ورواه البخاري عن مجاهد ، وروى ابن جرير وغيره عن عبد الله بن شداد قال : كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره لكي لا يراه فنزلت . وعن أبي رزين قال : كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه ، وعن عطاء الخراساني في قوله : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقول يطأطئون رءوسهم ، ويحنون ظهورهم ، أي ألا فليعلموا إن ثني صدورهم وتنكيس رءوسهم ، ليستخفوا من الداعي لهم إلى توحيد ربهم ، أو من ظهور حجته عليهم ، لا يغني عنهم شيئاً من ظهور فضيحتهم ، فإنهم حين يستغشون ثيابهم فيغطون بها جميع أبدانهم عند النوم في ظلمة الليل ، ويخلون بخواطرهم وما يبيتون من السوء والمكر ، فإن ربهم يعلم ما يسرون منها ليلا ، ثم ما يعلنون نهارا . وعن قتادة قال كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله تعالى . قال تعالى { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى ظهره ، واستغشى بثوبه ، وأضمر همه في نفسه ، فإن الله لا يخفى ذلك عليه { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي إنه تعالى عليم محيط بأسرار الصدور ، وخواطر القلوب ، كالذين قال فيهم : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } [ النساء : 108 ] . وروي في الآية ما لا يظهر في معناها ولا في قراءتها أنه تفسير لها ، وهو أنها نزلت في أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، وممن رواه البخاري عن ابن عباس ، ولعل المراد أنه قال إن هذا يصدق فيهم ، وأقول : إن هذا ضرب من مراقبة الله تعالى تذكرهم به رؤية السماء في هذه الحالة التي يقتضي الأدب الستر فيها ، وإن كان الله لا يخفى عليه شيء ، ولا يحجب بصره ثوب ولا ظلمة ليل ، وروي عنه أنه قرأ : ألا إنهم تثنوني صدورهم - بالمثناة الفوقية وبالتحتية - من اثنونى كاحلولى ، وكذا تثنوي كترعوي وفيها قراءات أخرى كلها شاذة لا نعنى بنقلها ولا بتوجيهها .