Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 11-13)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تنطق هذه الآيات بأنّ ما عليه هذا الصنف من الغرور بما عنده من التقاليد ، قد سوّل له الباطل وزيّن له سوء عمله فرآه حسناً ، وشوّه في نظره كلّ حقٍّ لم يأتِهِ على لسان رؤسائه ومقلَّديه بنصِّه التفصيليّ ، فهو يراه قبيحاً ، وقد صوّرت الآيات هذا الغرور بما حكته عن بعض أفراده وهو : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بما تصدّون عن سبيل الله مَنْ آمن وتبغونها عوجاء ، وتنفّرون الناس عن اتّباع محمّد صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء به من الإصلاح ، الذي يجتثّ أصول الفساد ، ويصطلم جراثيم الأداد ، ويُحيي ما أماتته البدع من إرشاد الدين ، ويقيم ما قوّضته التقاليد من سنن المرسلين { قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } بالتمسّك بما استنبطه الرؤساء ، وما كان عليه الأحبار والعرفاء ، من تعاليم الأنبياء ، فإنّهم أعرف بسنّتهم ، وأدرى بطريقتهم ، فكيف ندع ما تلقّيناه منهم ، ونذر ما يؤثره آباؤنا وشيوخنا عنهم ، ونأخذ بشيء جديد ، وطارف ليس له تليد ؟ . هكذا شأن كلّ مفسد : يدّعي أنّه مصلحٌ في نفس إفساده ، فإنْ كان على بيّنة من إفساده عارفاً أنّه مضلٌّ - وإنّما يكون كذلك إذا كان إفساده لغيره لعداوة منه له - فإنّما يدّعي ذلك لتبرئة نفسه من وصمة الإفساد بالتمويه والمواربة ، وإن كان مسوقاً إلى الإفساد بسوء التقليد الأعمى الذي لا ميزان فيه لمعرفة الإصلاح من الإفساد إلاّ الثقة بالرؤساء المقلَّدين ، فهو يدّعيه عن إعتقاد ولا يريد أن يفهم غير ما تلقّاه عنهم ، وإن كان أثر تقليدهم ، والسير على طريقتهم مفسداً للأمّة في الواقع ونفس الأمر ؛ لأنّ الوجود والحقيقة الواقعة لا قيمة لهما ولا اعتبار في نظر المقلّدين ، بل هم لا يعرفون مناشيء الفساد ومصادر الخلل ، ولا مزالق الزلل ؛ لأنّهم عطّلوا نظرهم الذي يميّز ذلك ، وأرادوا أن يوقعوا غيرهم بهذه المهالك ، بصدّهم عن سبيل الإسلام ، الداعي إلى الوحدة والالتئام ، فكان ذلك منهم دعاءً إلى الفرقة والانفصام ، والثبات على عبادة الملائكة أو البشر أو الأصنام . وأيّ إفساد في الأرض أعظم من التنفير عن اتّباع الحقّ ، وعن الإعتصام بدين فيه سعادة الدارين ، والأرضُ إنّما تفسد وتصلح بأهلها ؟ ولذلك قال تعالى : { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ } فابتدأ الكلام المؤكّد لإثبات إفسادهم بكلمة " ألا " التي يراد بها التنبيه والإيقاظ وتوجيه النظر ، وتدلّ على اهتمام المتكلّم بما يحكيه بعدها { وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } بأنّ هذا إفساد غُرِز في طبائعهم ، بما تمكّن فيها من الشبهة بتقليد رؤسائهم الذين أُشربوا عظمتهم . وهذا دليل على أنّهم لم يكونوا معاندين ولا مرائين ، وأنّهم على اعتقاد ضعيف لا يشهد له العمل كما تقدّم في تفسير آية { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } [ البقرة : 9 ] . وإذا كانت الآيات في وصف طائفة من الناس توجد في كل أمّة - كما قدّمنا - فليحاسب بها نفسه كلّ مسلم يعتقد أنّ القرآن إمامه ، وأنّ فيه هدىً له ، فإنّها حجّة على كثير ممّن يدّعون الإسلام بالقول ويعملون بخلاف ما جاء به ، ويتّبعون غير سبيله . وأقول الآن : هذه جملة ما قرّره شيخنا في الدرس ، واضعاً نصب عينيه منافقي اليهود ، ولا سيّما فقهاءهم الذين كانوا مجاورين للنبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وشدّة الشبه بينهم وبين فقهاء السوء ولا سيّما فقهاء عصرنا هذا ؛ ولذلك نبّه لعموم الآيات وشمولها لهم لها عوداً على بدء ، وإنّما مراده بنفي الرياء عنهم أنّهم يعتقدون ما قالوا هنا ، وهو لا ينفي رياءهم في غيره من أقوالهم وأفعالهم . وقد كان لأولئك الأحبار والرؤساء من الإفساد غير ما ذكر ، ومنه إغراء المشركين بقتال النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ووعدهم بمساعدتهم عليه ، وهذا إفساد كبير في الأرض ، وكانوا يستبيحونه بأنّه توسّل إلى حفظ سلطتهم ورئاستهم المهدّدة باتّباع محمّد صلى الله عليه وسلم . ولم يذكر ، فيما كتبت عنه ، رأيه فيمن سألهم وقال لهم ما ذكر ، وأجابوه بهذا الجواب ، هل هو الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون ؟ وهي الاحتمالات التي ذكرها المفسّرون . وزاد بعضهم رابعاً وهو أن يكون بعضهم سأل بعضاً ، لما كانوا عليه من اختلاف الحال وتباين الآراء ، كما قال تعالى فيهم : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } [ الحشر : 14 ] فأيّ مانع لنهي بعضهم لبعض عن نكث ما عاهدهم عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، من إقرارهم على دينهم وحفظ أموالهم وأنفسهم ؛ بأن لا يؤلّبوا عليه المشركين ولا يساعدوهم عليه ، وأن يقولوا للناكثين المفسدين : إنّ الحرب فسادٌ عظيم لا يؤمن أن يتعدّى إلينا شرّها فيطير من شررها ما نحترق به ، فدعوا تأليب قوم محمّد عليه ؟ ثمّ أيّ مانع يمنع أن يجيبهم أولئك المفسدون ككعب بن الأشرف : إنّما نحن مصلحون بمساعدة قومه عليه ، لأنّنا نخشى منه ما لا نخشى منهم ، فقد عشنا معهم أجيالاً لم ينازعنا منهم أحد في صحّة ديننا ؛ لأنّهم لا يدعون إلى شركهم ، ولا يحتقرون ما نحن عليه من الدين ، بل يروننا فوقهم في العلم ، ومنهم من يعطينا أولاده لنربّيهم ولا يكرهون أن نلقِّنهم ديننا ، وأمّا محمّد فيقول إنّنا ضللنا عن ديننا نفسه ويعيبنا بتحريف سلفنا وخلفنا لكتابنا ، وبما كان من مخازي تاريخنا ، كقتل الأنبياء ، ونكث العهود ، وأكل السحت . فإذا كان له الغلب على مشركي قومه ، لا نأمن أن يبقى لنا ديننا ومكانتنا السامية في بلاد العرب - وإن هو حفظ عهده لنا ، ولم يغدر فيقاتلنا ، فكيف إذا هو غدر بنا وقاتلنا بعد الفراغ من قومه ؟ هذا أقرب إلى المعقول ممّا قاله المفسّرون في السؤال والسائل ، وفيه وجه آخر لعلّه أقوى ، وهو أنّ السؤال والجواب مفروضان فرضاً ، والمراد بيان حالهم في هذا الأمر وما تنطوي عليه جوانحهم ، بصيغة السؤال والجواب التي هي أقوى أساليب الكلام تنبيهاً للأذهان ، وتوجيهاً لها إلى الإحاطة بمعاني الكلام ، ولذلك يستعملها العلماء في بيان مهمّات المسائل وحلّ عويص المشاكل ، يقولون : إذا قيل كذا قلنا كذا ، وإن سئلنا عن هذا أجبنا بكذا . وأمّا الفرق بين الشرطين في مثل هذا الأسلوب فالبلاغة تقتضي أن يكون السؤال بإذا عمّا كان سببه قويّاً من شأنه ألاّ يسكت عنه ، ويصدّر بإن إذا كان سببه ضعيفاً ولكنّه محتمل ، فيجاب عنه احتياطاً . ثمّ أقول : إنّ ما تقدّم مبنيّ على أنّ السؤال والجواب في بيان حال منافقي اليهود - وهو المختار عند شيخنا . وقد ورد في التفسير المأثور جعله في بيان حال منافقي المدينة من العرب ، كعبد الله بن أُبيّ ابن سلول وحزبه ، فإنّهم كانوا يُفسدون في الأرض بالتشكيك في الدين ، وبتفريق كلمة المؤمنين ، كما فعلوا في غزوة أُحُد ثمّ في غزوة تبوك ، فكان هذا شأنهم - وإن كانت الغزوتان بعد نزول هذه السورة . وروي تفسير إفسادهم بالكفر والمعاصي ، وما قلناه منه ، ولكنّه أخصّ وهو المتبادر . ودعواهم أنّ هذا إصلاح كدعواهم الإيمان ، وكلّ مفسدّ وضالّ يسمى إفساده وضلاله بأسماء حسنة ، كما يسمّون الشرك بالله في زمننا بدعاء غيره : توسّلا … وعن ابن عباس أنّهم كانوا يقولون : إنّما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب . ثمّ صوّرت الآيات ذلك الجهل والغرور في الفريقين بصورة أُخرى أشدّ تشويهاً ممّا قبلها ؛ لأنّ تلك صورتهم في عملهم ، وهذه صورتهم في جوهر إيمانهم ، وهي : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ } الذين تعتقدون كمالهم وترون تعظيمهم وإجلالهم ، كإبراهيم وموسى وعيسى وأتباعهم ، الذين كان الإيمان راسخاً في جنانهم ، ومؤثّراً في وجدانهم ، ومصرِّفاً لأبدانهم ، أو كعبد الله بن سلام وأمثاله من علمائكم ، { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ } أقول : المراد بالسفه : الطيش وخفّة العقل وضعف الرأي . ومن لوازمه سوء التصرّف . ومنه قيل : زمام سفيه : كثير الاضطراب لمرح الناقة ومنازعتها إيّاه ، وثوب سفيه : رديء النسج . واستعمل في خفّة النفس لنقصان العقل ، وفي الأمور الدنيويّة والأخرويّة . فقيل سفه نفسه ، ويعنون بالسفهاء أتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم الواقفين عندما كان عليه ، المعرضين عن غير ما أنزل إليه ؛ لما تضمّنه الأمر من الشهادة لهم بأنّهم في إيمانهم كأتباع أولئك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهم سلف اليهود الذين كان الكلام معهم ، وكانوا يفتخرون بما يتناقلونه من سيرتهم . فردّ الله تعالى عليهم بقوله : { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ } أي وحدهم دون مَنْ عرَّضوا بهم ؛ لأنّ لهم سلفاً صالحاً تركوا الاقتداء بهم ، زعماً أنّ المتأخر لا يمكن أن يكون على هدى المتقدّم ؛ لأنّه يصعب أو يتعذّر عليه اللحاق به ، واحتذاء عمله ؛ لعلوّه في الدرجة ، وبعده في المنزلة ، وأنّ حظَّهم من سلفهم انتظار شفاعتهم - وإن لم يسيروا على سنتهم . فأي الفريقين أجدر بلقب السفيه ، أهمّ أولئك اليهود الذين لهم أسوة صالحة ولكنّهم لا يهتدون بها وهذه حالهم من سوء العقيدة وقبح العمل ، أم مَنْ لا سلف له إلاّ عبدة الأوثان ، وقلبه مع ذلك مطمئنّ بالإيمان ، وأعماله تشهد له بالإحسان ، كالصحابة الذين هداهم الله بنور الإسلام ، فكانوا كأتباع أولئك الأنبياء الكرام ، بل ربّما سبقوهم بالفضائل ، وزادوا عليهم في الفواضل ؟ لا شكّ أنّ أولئك المفسدين بعدما تقدّم لهم من سلف صالح ، ودين قيّم ، هم السفهاء ، دون هؤلاء العقلاء . { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } أنّ السفه محصور فيهم ، ومقصور عليهم ، وإنّما عندهم شعور ما بأنّهم ركبوا هواهم ، ولم يتّبعوا هدى سلفهم ولا هداهم ، ينتحلون له العلل الضعيفة ، ويتمحّلون له الأعذار السخيفة ، فهو لم يصل إلى حدّ العلم الذي تتكيّف به النفس . ويكفي في إثبات سفههم أنّهم يعرفون حسن حال سلفهم ، ويعترفون به ، ولكن لا يقتدون بهم ، ولا يقتفون أثرهم ، وإنّما يعتمدون في نجاتهم وسعادتهم على تلك الأماني والتعلات ، كقولهم : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] وقولهم : { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [ المائدة : 18 ] وشعبه وأصفياؤه ؛ ولا يصحّ نفي الشعور عنهم في هذا المقام مع ذلك الاعتراف ، وإنّما هو نفي العلم الكامل الذي يزيل الشبه ويُذهب بالعلل ، ويبعث على الاقتداء بالعمل . وهذا أيضاً حجّة على كثير من اللابسين لباس الإسلام ، وهم من هذا الصنف . يعتقدون كمال سلفهم ، ولا يقتدون بهم ، وإنّما يطمعون في سعادة الدنيا والآخرة بإنتسابهم إلى أولئك السلف العظام ، ولكونهم من أمّة النبيّ عليه الصلاة والسلام وهي خير الأمم بشهادة الله في القدم ، ولكنّهم لا يعلمون أنّها فضلت سواها بكونها أمّة وسطا تقوم على جادّة الإعتدال ، في العقائد والأخلاق والأعمال ، وتسعى في إصلاح البشر ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما سيأتي في تفسير { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] وتفسير { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] وليس عند هؤلاء السفهاء شيءٌ من هذه الصفات ، إلاّ الأماني والتعلات . وأزيد في هذا السياق الذي شرحت به قول شيخنا في الدرس : تذكير هؤلاء المرضى القلوب من المسلمين ، الذين اتّبعوا سنن من قبلهم في هذا ، كما اتّبعوهم في غيره " شبرا بشبر وذراعاً بذراع " كما ورد في حديث الصحيحين . أزيد فيه تذكيرهم بقوله تعالى - في أهل الكتاب - الآتي في هذه السورة - { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ البقرة : 78 ] وقوله فيهم وفي أفضل سلف هذه الأمّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 123 ] الآيات . ثمّ أقول : إنّ جريان هذا السؤال والجواب في منافقي العرب أظهر ممّا قبله ؛ فعبد الله بن أُبيّ ابن سلول وأصحابه من منافقي المدينة كانوا أبعد عن الإيمان وأدنى إلى مخادعة الله ورسوله والمؤمنين من منافقي اليهود في أنفسهم وقومهم ومع المؤمنين . ولا شكّ أنّهم كانوا يعدّون المؤمنين الصادقين سفهاء الأحلام في اتّباعهم للرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، أمّا المهاجرون منهم فلأنّهم عادَوا قومهم وأقاربهم وهجروا وطنهم وتركوا ديارهم ليكونوا تابعين له . وأمّا الأنصار فلأنّهم شاركوا المهاجرين في ديارهم وأموالهم . وكون هذا من السفه عند غير المؤمن بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ظاهر جليّ ، ولذلك نفى عنهم الشعور بأنّهم هم السفهاء دون المؤمنين ، ويؤيّد ما قلته ما حكاه الله تعالى عنهم في سورتهم بقوله : { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } [ المنافقون : 7 ] . هذا - وإنّنا أشرنا إلى نكتة اختلاف التعبير في نفي الشعور عن المنافقين في موضعين ، ونفي العلم في موضع واحد من هذه الآيات . وأزيد عليه في نكتة نفي العلم الآن ما ينبّه الأذهان ، إلى دقّة التعبير في القرآن . وهو أنّ أمر الإيمان لا يتحقّق إلاّ بالعلم اليقينيّ ، فموضوعه علميّ ، ثمّ إنّ ثمرته السعادة في الدنيا والآخرة ، ولا يدرك ذلك إلاّ من علم حقيقته ؛ فنفى عنهم العلم بأنّهم هم السفهاء فيما رموا به المؤمنين بالسفاه ، بشبهة أنّهم أخطاؤا مصلحتهم ومصلحة قومهم الأنصار ومصلحة أمتهم العربية في اتّباع النبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ عدم العلم بذلك سببه عدم العلم بكنه الإيمان وعاقبته . ومن جهل الملزوم كان بلوازمه أجهل ، فكأنّه قال : ولكن لا يعلمون ما الإيمان ، حتّى يعلموا أنّ المؤمنين سفهاء غاوون ، أو عقلاء راشدون ؛ لأنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ، وهم جاهلون به ويجهلون أنّهم جاهلون . ومن مباحث الأداء في الآيات : ما في اجتماع الهمزتين من آخر السفهاء وأوّل " ألا " من قراءة تحقيقهما بالنطق بهما معاً ، وقراءتي تحقيق الأولى وتليين الثانية وعكسه ، وقراءة بعضهم بهمزة واحدة ، وكذلك أمثالها من كلّ همزتين في كلمتين .