Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 171-171)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد ما بيّن تعالى فساد ما عليه المقلّدون من اتّباع ما وجدوا عليه آباءهم من غير نظر ولا استدلال ، ضرب لهم مثلا زيادة في تقبيح شأنهم ، والزراية عليهم ، بقوله : { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي صفتهم في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم { كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } أي كصفة الراعي للبهائم السائمة ، ينعق ويصيح بها في سوقها إلى المرعى ودعوتها إلى الماء ، وزجرها عن الحمى ، فتجيب دعوته وتنزجر بزجره بما ألفت من نعاقه بالتكرار ، شبه حالهم بحال الغنم مع الراعي يدعوها فتقبل ، ويزجرها فتنزجر ، وهي لا تعقل ممّا يقول شيئاً ، ولا تفهم له معنى ، وإنّما تسمع أصواتاً تقبل لبعضها وتدبر للآخر بالتعويد ، ولا تعقل سبباً للإقبال ولا للإدبار ، ومعنى المثل هنا كما قال سيبويه : إنّ صفة الكفّار وشأنهم كشأن الناعق بالغنم ، ولا يقتضي هذا أن يكون كلّ جزء من المشبّه كمقابله من المشبّه به ، وهو ما سمّاه علماء البيان بعد سيبويه بالتمثيل : وفرّقوا بينه وبين تشبيه متعدّد بمتعدّد ، والكفر : جحود الحقّ ، والإعراض عن النظر في الدليل عليه عند الدعوة إليه ، وفرّق بينه وبين الضلال ، فإنّ الضالّ من أخطأ طريق الحقّ مع طلبه ، أو جَهَله فلم يعرفه بنفسه ولا بدلالة غيره . وأمّا الكافر ، فهو يرى الحق ويعرض عنه ، ويصرف نفسه عن دلائله وآياته فلا ينظر فيها ، فهو كالحيوان يرضى بأن لا يكون له فهم ولا علم ، بل يقوده غيره ويصرفه كيف شاء ، فهو مع من قلّدهم من الرؤساء كالغنم مع الراعي ، تقبل بدعائه وتنزجر بندائه ، مسخّرة لإرادته وقضائه ، ولا تفهم لماذا دعا ولماذا زجر ، فدعوتها إلى الرعي وإلى الذبح سواء . وكذلك شأن كلّ من يسلم إعتقاداً بلا دليل ، ويقبل تكليفاً بغير فقه ولا تعليل . والآية صريحةٌ في أنّ التقليد بغير عقل ولا هداية هو شأن الكافرين ، وأنّ المرء لا يكون مؤمناً إلاّ إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتّى اقتنع به . فمن ربُي على التسليم بغير عقل ، والعمل - ولو صالحاً - بغير فقه ، فهو غير مؤمن ؛ لأنّه ليس القصد من الإيمان أن يذلّل الإنسان للخير كما يذلّل الحيوان ، بل القصد منه أن يرتقي عقله وتتزكّى نفسه بالعلم بالله والعرفان في دينه ، فيعمل الخير ؛ لأنّه يفقه إنّه الخير النافع المرضي لله ، ويترك الشرّ ؛ لأنّه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرّته في دينه ودنياه ، ويكون فوق هذا على بصيرة وعقل في إعتقاده ، فلا يأخذه بالتسليم لأجل آبائه وأجداده ، ولذلك وصف الله الكافرين بعد تقرير المثل بأنهم { صُمٌّ } لا يسمعون الحقّ سماع تدبّر وفهم { بُكْمٌ } لا ينطقون به عن إعتقاد وعلم { عُمْيٌ } لا ينظرون في آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق ، حتى يتبيّن لهم إنّه الحقّ { فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } مبدأ ما هم فيه ولا غايته ، كما يطلب من الإنسان ، وإنّما ينقادون لغيرهم كما هو شأن الحيوان ، ولذلك اتّبعوا من لا يعقلون ولا يهتدون ، فالعاقل لا يقلّد عاقلاً مثله ، فأجدر به ألا يقلّد جاهلاً ضالاً هو دونه .