Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جعل بعض المفسّرين قوله تعالى : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } بمثابة الدليل على ما قبله . وقال الأستاذ الإمام الآية متّصلة بقوله تعالى : { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ البقرة : 283 ] . ويصحّ أن تكون متمّمة لها لأنّ مقتضى كونه عليماً بكلّ شيء أنّ له كلّ شيء فهذا كالدليل على كونه عالماً بكلّ شيء أي أنّه عليم به . لأنّه له وهو خالقه فهو كقوله : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } [ الملك : 14 ] وبهذا الاستدلال يتقرّر النهي عن كتم الشهادة وكونه إثماً يعاقب عليه وأكّده بقوله : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } لدخول كتمان الشهادة في عموم ما في النفس قال : ويصحّ أن تكون الآية متّصلة بآية الدين من أوّلها لأنّه شرّع لنا أحكاماً تتعلّق بالدَين كالكتابة والشهادة فكأنّه يقول إن تساهلتم في هذه الأحكام وأضعتم الحقوق فتظاهرتم بالأمانة مع انطواء النفس على الخيانة وغالطتم الناس وأكلتم أموالهم بذلك أو أضعتموها بكتمان الشهادة ونحو ذلك فإنّ الله يحاسبكم ويعاقبكم على ذلك لأنّ له ما في السماوات وما في الأرض منها أنتم وأعمالكم النفسية أو البدنية . أقول : وجعلها بعضهم متعلّقة بأحكام السورة كلّها . قال : والمراد بقوله : { مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } الأشياء الثابتة في أنفسكم وتصدر عنها أعمالكم كالحقد والحسد وأُلفة المنكرات التي يترتّب عليها ترك النهي عن المنكر فإنّ السكوت عن النهي أمر كبير يحلّ الله عقوبته في الأمّة بسببه وليس هو مجرّد اتفاق السكوت وإنّما هو بإعتبار سببه في النفس وهو ألفة المنكر والأنس به وللإنسان عمل اختياري في نفسه هو الذي يحاسب عليه . نعم إنّ الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان ولا يكون له فيها تعمد ولكنّه إذا مضى معها واسترسل تحسب عليه عملاً يجاز عليه لأنّه سايرها مختاراً وكان يقدر على مطاردتها وجهادها . وسواء كانت هذه الخواطر والهواجس صادرة عن ملكة في النفس تثيرها أو عن شيء لا يدخل في حيّز الملكة . مثال ذلك الحسود تبعث ملكة الحسد في نفسه خواطر الإنتقام من المحسود والسعي في إزالة نعمته لتمكّنها في نفسه وإمتلاكها لمنازع فكره ، وهذه الخواطر ممّا يحاسب عليها أبداها أو أخفاها إلاّ أن يجاهدها ويدافعها فذلك ما يكلّفه . ومثال الثاني المظلوم يذكّر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه وربّما استرسل مع خواطره إلى أن تجرّه إلى تدبير الحيل للإيقاع به ومقابلة ظلمه بما هو شرّ منه فيكون مؤاخذاً عليها ، أبداها أو أخفاها وقد قال تعالى : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ المائدة : 78 - 79 ] وذلك أنّ فظاعة المنكر زالت من نفوسهم بالأنس بها من أول الأمر . وهكذا يقال في كلّ أعمال القلب التي أمرنا الشرع بمجاهدتها ولا يدخل في هذا ما يمرّ في النفس من الخواطر والوساوس كما قيل ، وبنوا عليه أنّ الصحابة رضي الله عنهم شقّ عليهم العمل بالآية وشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم الوسوسة فنزلت الآية التي بعدها دفعاً للحرج . ولفظ الآية يدفع هذا لأنّها نصّ فيما هو ثابت في النفس ومتمكّن منها كالأخلاق والملكات والعزائم القويّة التي يترتّب عليها العمل بأثرها فيها إذا إنتفت الموانع وتركت المجاهدة . وكذلك يدفعه ما كان عليه الصحابة الكرام من علو الهمّة والأخذ بالعزائم ، وهم الذين كانوا يفهمون القرآن حقّ الفهم ويتأدّبون به ويقيمونه كما يجب ، وما أبعدهم عن الاسترسال مع الوساوس والأوهام . هذا ما قاله الأستاذ الإمام مفصّلاً وهو المتبادر من لفظ الآية ولا شكّ أن ما يجازى عليه ممّا في النفس يعمّ الملكات الفاضلة والمقاصد الشريفة وإنّما مثل هو وغيره بالحقد والحسد لمناسبة السياق ، ولهذا السياق خصّه بعضهم بكتمان الشهادة ، وهو مروي عن ابن عبّاس وعكرمة والشعبي ومجاهد . وردّ ذلك الأكثرون بأنّه مخالف لعموم اللفظ ، وخصّه بعضهم بالكفّار وهو تخصيص بلا مخصّص أيضاً ، وذهب الجمهور إلى أنّ الآية منسوخة بما بعدها . أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وغيرهم عن أبي هريرة قال : " لمّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ جثوا على الركب ، فقالوا يا رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة . وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير " " فلمّا اقترأها القوم وذلّت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 285 ] الآية : فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] إلى آخرها . وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس نحوه . وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من الصحابة أحسبه ابن عمر : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } الآية ، قال : نسخها ما بعدها . واحتجّوا للنسخ بحديث أبي هريرة في الصحيحين والسنن " إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل به " . وأقول : ليس في هذه الروايات أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صرّح بأنّ الآية منسوخة وإنّما قصاراها أنّ بعض الصحابة فهم أنّها نسخت والروايات عنهم في ذلك مختلفة والقول بالنسخ ممنوع من وجوه : أحدها : أنّ قوله تعالى : { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } خبر والأخبار لا تنسخ كما هو معروف في علم الأصول . ثانيها : أنّ كسب القلب وعمله ممّا دلّ الكتاب والسنّة والإجماع والقياس على ثبوته والجزاء عليه ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر ، وهو ما دلّت عليه الآية فالقول بنسخها إبطال للشريعة ونسخ للدين كلّه أو إثبات لكونه ديناً جثمانياً مادّياً لا حظّ للأرواح والقلوب منه - قال تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [ البقرة : 225 ] وقال : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ النور : 19 ] والحبّ من أعمال القلب الثابتة في النفس . فقوله تعالى : { مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } معناه ما ثبت واستقرّ في أنفسكم كما تقدّم ويدخل فيه الكفر والأخلاق الراسخة والصفات الثابتة من الحبّ والبغض في الجور وكتمان الشهادة وقصد السوء أو سوء القصد وفساد النيّة وخبث السريرة وهذه الأعمال والصفات هي الأصل في الشقاوة وعليها مدار الحساب والجزاء ولولا أنّ للأعمال البدنية آثاراً في النفس تزكّيها أو تدسيها ، لما آخذ الله تعالى في الآخرة أحداً عليها ، لأنّه تعالى لا يعاقب الناس حبّاً في الإنتقام ولا يظلم نفساً شيئاً ولكنّه جعل سنّته في الإنسان أن يرتقي أو يتسفّل نفساً وعقلاً بالعمل . فلهذا كان العمل مجزياً عليه في الآخرة فإنّ أثره في النفس هو متعلّق الجزاء . ثالثها : أنّ الخواطر السانحة والوساوس العارضة وحديث النفس الذي لا يصل إلى درجة القصد الثابت والعزم الراسخ لا يدخل في مفهوم الآية كما قال المحقّقون واختاره الأستاذ الإمام كما تقدّم لأنّ ما ذكر غير ثابت ولا مستقرّ وقوله : { فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } يفيد الثبات والاستقرار وإنّما كان هذا وجهاً لإبطال النسخ لأنّه إذا ثبت أنّ ما ذكر داخل في الآية فلقائل أن يقول إنّ الآية خبر يفيد النهي عن هذه الخواطر والوساوس في المعنى ، فهو من تكليف ما لا يطاق فيجب أن يكون قوله بعده : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] ناسخاً له . وبهذا تعلم أنّ حديث التجاوز عن حديث النفس لا ينافي الآية ولا يصلح دعامة للقول بنسخها . رابعها : أنّ تكليف ما ليس في الوسع ينافي الحكمة الإلهية البالغة والرحمة الربّانية السابغة ، فهو لم يقع فيقال إنّ الآية منه ونسخت بما بعده . خامسها : المعقول في النسخ أن يشرّع حكم يوافق مصلحة المكلّفين ثمّ يأتي زمن أو تطرأ حال يكون ذلك الحكم فيه مخالفاً للمصلحة وكون ما في النفس يحاسب عليه من الحقائق التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والأحوال . فإن قيل : إذا كان معنى الآية ما ذكرت فلماذا قال الصحابة فيها ما قالوا ؟ أقول : إنّ الصحابة عليهم الرضوان قد دخلوا في الإسلام وأكثرهم رجال قد تربّوا في حجر الجاهلية وانطبعت في نفوسهم قبله أخلاقها وأثّرت في قلوبهم عادتها فكانوا يتزكّون منها ، ويتطهّرون من لوثها تدريجاً بزيادة الإيمان ، كلّما نزل شيء من القرآن وباتّباع الرسول ، فيما يفعل ويقول ، فلمّا نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان لا يزال باقياً في أنفسهم من أثر التربية الجاهلية الأولى وناهيك بما كانوا عليه من الخوف من الله عزّ وجلّ وإعتقاد النقص في أنفسهم حتّى بعد كمال التزكية وتمام الطهارة حتّى كان مثل عمر بن الخطّاب يسأل حذيفة بن اليمان : " هل يجد فيه شيئاً من علامات النفاق " فأخبرهم الله تعالى بأنّه لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها ، ولا يؤاخذها إلاّ على ما كلّفها فهم مكلّفون بتزكية أنفسهم ومجاهدتها بقدر الاستطاعة والطاقة وطلب العفو عمّا لا طاقة لهم به ، كما سيأتي تفصيله ولا يبعد أن يكون بعضهم قد خاف أن تدخل الوسوسة والشبهة قبل التمكّن من دفعها في عموم الآية . فكان ما بعدها مبيّناً لغلطهم في ذلك . وأمّا تسمية بعضهم ذلك نسخاً فقد أجاب عنه بعض المفسّرين بأنّه عبّر بالنسخ عن البيان والإيضاح تجوّزاً . ولك أن تقول : إنّ المراد به النسخ اللغوي وهو الإزالة والتحويل لا الإصطلاحي أي إنّ الآية الثانية كانت مزيلة لما أخافهم من الأولى أو محوّلة له إلى وجه آخر ويحتمل أن يكون الصحابي لم ينطق بلفظ النسخ وإنّما فهمه الراوي من القصّة فذكره . وكثيراً ما يروون الأحاديث المرفوعة بالمعنى على أنّه ليس من النص المرفوع ورأي الصحابي ليس بحجّة عند الجماهير ، لا سيّما إذا خالف ظاهره الكتاب . وإنّني لا أعتقد صحّة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن ، وإن وثّقوا رجاله فربّ راوٍ يوثّق للإغترار بظاهر حاله ، وهو سيء الباطن ولو إنتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض . وقد قالوا إنّ من علامة الحديث الموضوع مخالفته لظاهر القرآن أو القواعد المقرّرة في الشريعة أو للبرهان العقلي أو للحسّ والعيان وسائر اليقينيات . أمّا إبداء ما في النفس فهو إظهاره بالقول أو بالفعل ، وأمّا إخفاؤه فهو ضدّه والإبداء والإخفاء سيّان عند الله تعالى لأنّه { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] فالمدار في مرضاته على تزكية النفس وطهارة السريرة لا على لوك اللسان وحركات الأبدان . وأمّا المحاسبة فهي على ظاهرها وإن فسّرها بعض بالعلم وبعض بالجزاء الذي هو غبّها ولازمها ، ذلك أنّ للنفوس في إعتقاداتها وملكاتها وعزائمها وإرادتها موازين يعرف بها يوم الدين رجحان الحقّ والخير أو الباطل والشرّ هي أدقّ ممّا وضع البشر من موازين الأعيان وموازين الأعراض كالحرّ والبرد { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] وسيأتي قول الأستاذ الإمام في الحساب والجزاء . { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي فهو بما له من الملك المطلق يغفر لمن يشاء أن يغفر له ويعذّب من يشاء عذابه . وقرأ غير ابن عامر وعاصم ويعقوب بجزم يغفر ويعذّب بالعطف على يحاسبكم . وإنّما يشاء ما فيه الرحمة ، والعدل والحكمة ، والأصل في العدل أن يكون الجزاء السيء على قدر الإساءة وتأثيرها في تدسية نفوس المسيئين ، والجزاء الحسن على قدر الإحسان وتأثيره في أرواح المحسنين ، ولكنّه تعالى برحمته وفضله يضاعف جزاء الحسنة عشرة أضعاف ويزيد من يشاء ولا يضاعف السيّئة . والآيات المفصّلة في هذا المعنى كثيرة وبها يفسّر المجمل . وقد بيّنا معنى المغفرة غير مرّة بإيضاح . وحسبك هنا أن تعلم أنّ الذنب المغفور هو الذي يوفّق الله صاحبه لعمل صالح يغلب أثره في النفس . والجاهل بهدى الكتاب يحسب أنّ الأمر فوضى والكيل جزاف ويمنّي نفسه بالمغفرة على إصراره وإقامته على أوزاره ، ألم يقرأ في دعاء الملائكة للمؤمنين { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ غافر : 7 - 9 ] وقال الأستاذ الإمام شأن الله تعالى في المحاسبة أن يذكر الإنسان أو يسأله : لِمَ فعلت ؟ فبعد أن يرى العبد أعماله الظاهرة والباطنة يغفر أو يعذّب . فمن الناس من لم تصل أعماله المنكرة إلى أن تكون ملكات له فالله سبحانه يغفرها له . ومنهم من تكون ملكات له فهو يعاقبه عليها وهو يفعل ما يشاء ويختار . وقد يظنّ من لا يؤمن بالكتاب كلّه أنّ في هذا سبيلاً للمروق من التكليف لأنّ أمر المغفرة والتعذيب موكول للمشيئة والرجاء فيه أكبر وهذا ضلال عن فهم الكتاب بالمرّة فالآية إنذار وتخويف ليس فيها موضع للقطع بمغفرة ذنب ما وإن كان صغيراً . أقول : وقد ذكّرني قوله بكلمة لأبي الحسن الشاذلي . قال وقد أبهمت الأمر علينا نرجو ونخاف فآمن خوفنا ولا تخيّب رجاءنا وهذا من أحسن الدعاء . وقد قرّر ما ذكر من تعليق الأمر بالمشيئة واحتجّ عليه بقوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي فهو بقدرته ينفّذ ما تعلّقت به مشيئته . فنسأله العناية والتوفيق والهداية لأقوم طريق .