Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 72-73)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا هو أوّل القصّة المحتوية على المخالفة - على ما أشرنا إليه - وهي القتل ، ثمّ التنازع في القاتل ، ثمّ تشريع الحكم لكشف الحقيقة بذبح البقرة وما كان من إلحاحهم في السؤال على ما سبق . فقوله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } أسند فيه القتل إلى الأمّة ، وإن كان القاتل واحداً ، بإعتبار ما تقدّم من كونها في مجموعها وتكافلها كالشخص الواحد . والتدارؤ : تفاعل من الدرء ، وهو الدفع ، فمعناه : التدافع ، وهو يدلّ على أنّه كان خصام وإتّهام . وكان كلٌّ يدرأ عن نفسه ويدّعي البراءة ويتّهم غيره ، وكان للقاتلين والعارفين بهم حظوظ وأهواء كتموا فيها الحقيقة ؛ ولذلك قال تعالى بعد التذكير بالجريمة : { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } من الإيقاع بقوم برآء تتّهمونهم بالقتل لإخفاء القاتل ؛ لأنّه لا يخفى عليه مكركم . وأمّا قوله : { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } فهو بيان لإخراج ما يكتمون . ويروون في هذا الضرب روايات كثيرة : قيل : إنّ المراد اضربوا المقتول بلسانها ، وقيل : بفخذها وقيل بذنبها وقالوا : إنّهم ضربوه فعادت إليه الحياة ، وقال : قتلني أخي أو ابن أخي فلان … إلخ ما قالوه . والآية ليست نصّاً في مجمله ، فكيف بتفصيله . والظاهر ممّا قدّمنا : إنّ ذلك العمل كان وسيلةً عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل ، إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ، ليعرف الجاني من غيره . فمَنْ غسل يده وفعل ما رسم لذلك في الشريعة بريء من الدم ، ومَنْ لم يفعل ثبتت عليه الجناية . ومعنى إحياء الموتى - على هذا - حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام . وهذا الإحياء على حدّ قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } [ المائدة : 32 ] وقوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ } [ البقرة : 179 ] فالإحياء هنا معناه الإستبقاء ، كما هو المعنى في الآيتين . ثمّ قال : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } بما يفصل بها في الخصومات ، ويزيل من أسباب الفتن والعداوات ، فهو كقوله تعالى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [ النساء : 105 ] ، وأكثر ما يُستعمل مثل هذا التعبير في آيات الله في خلقه ، الدالّة على صدق رُسله . وليس عندي شيء عن شيخنا في تفسير هذه الجملة ، ولكنّه قال في تعليلها ما يرجّح القول الأوّل وهو : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفقهون أسرار الأحكام وفائدة الخضوع للشريعة ، فلا تتوهّمون أنّ ما وقع مختصّ بهذه الواقعة في هذا الوقت ، بل يجب أن تتلقّوا أمر الله في كلّ وقت بالقبول من غير تعنّت .