Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 161-162)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدّم مثل هاتين الآيتين في سورة البقرة وبين ما هنا وما هنالك فروق في التعبير نبينها هنا فنقول : 1 و 2 - قال تعالى هنا : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } لأن القصّة خطاب وجه أولاً إلى أهل مكّة ، فالحكاية فيه عن بني إسرائيل حكاية عن غائب والأصل أن يذكر ضميره فيه ولذلك قال : " لهم " وفي سورة البقرة " وإذ قلنا " والمعنى واحدٍ إذا المعلوم أن القائل هو الله تعالى ، وقد روعي هنالك السياق وفي خطاب بني إسرائيل إذ قبلها { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ … } [ البقرة : 50 ] { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ … } [ البقرة : 51 ] فناسب أن يقول : " وإذ قلنا " ولم يقل فيها " لكم " كما قال هنا " لهم " لأن القول كان لأجداد المخاطبين من ألوف السنين لا لهم أنفسهم ، ولم يقل " لهم " أيضاً لأن السياق لم يكن حكاية عن غائب مجهول يحتاج إلى تعيينه ، بل هو تذكير الخلف بما تقوم به عليهم الحجّة من شؤون السلف ، لأنهم وارثوا أخلاقهم وغرائزهم وعاداتهم ، فهو إذن مشترك بين الخلف الحاضر ، والسلف الغابر ، وزيادة " لهم " تلصقه بالغائب وحده فتكون حكايته لبني إسرائيل كحكايته لعرب مكّة وغيرهم ، فتأمل . 3 - قال هاهنا { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } وفي سورة البقرة { ٱدْخُلُواْ } [ البقرة : 58 ] والفائدة هاهنا أتم لأن السكنى تستلزم الدخول ولا عكس . وتظهر فائدة إختلاف التعبير في الفعلين بما يليهما من العطف عليهما وهو . 4 و 5 - قال هاهنا { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ } وفي سورة البقرة { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } [ البقرة : 58 ] فعطف الأمر بالأكل هنالك بالفاء لأن بدءه يكون عقب الدخول كأكل الفواكه والثمرات التي كانت توجد في كلّ ناحية من القرية - والسكنى أمر ممتدّ يكون الأكل في أثنائه لا عقبه ، بل لا يقال عقب السكنى إلاّ فيمن يترك هذه السكنى ، ولذلك عطف عليه هنا بالواو التي تفيد الجمع بين الأمرين مطلقاً بلا ملاحظة ترتيب ولا تعقيب . وقد وصف هنالك الأكل بالرغد وهو الواسع الهنيء والتبشير به يناسب حال الدخول ، إذ الأمر لدى الداخل مجهول . 6 - قال هاهنا { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } وقدّم هنالك ما أخّر هنا وأخّر ما قدّمه أي في الذكر ، وهو لا يدلّ على طلب ترتيب بين الأمرين لأن العطف فيه بالواو الدالة على طلب الأمرين مطلقاً ، ولكن لو كان التعبير في الموضعين واحداً لفهم منه أن المقدّم في الذكر أرجح أو أهم ولو في الجملة كما هي القاعدة في التقديم لذاته . فكان الإختلاف دالاً على عدم الفرق بين تقديم هذا وتأخير ذلك وبين عكسه . لأن المراد منهما لا يقتضي ترتيباً بين ما دلّت عليه كلمة ( حطة ) وهو الدعاء بأن تحط عنهم أوزارهم وخطاياهم كقولك اللهمّ غفراً وبين دخول باب القرية في حال التلبس بالتواضع والخشوع لله تعالى وتنكيس الرؤوس شكراً لجلاله على نواله ، كما فعل النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكّة فاتحاً . 7 - قال هاهنا { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ } قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ( تغفر ) بالتاء والفاء المفتوحة ورفع ( خطيئاتكم ) وهو يناسب ( وإذا قيل لهم ) وقرأ الجمهور نغفر بالنون وكسر الفاء ونصب " خطيئاتكم " بكسر تائها وهو يناسب ما بعده وهو كون " سنزيد " للمتكلّم المعظم . والمعنى فيهما واحد . لأن المخاطب الذي يغفر الذنوب واحد . وقرأ ابن عامر ( خطيئتكم ) بالإفراد . وهو بمعنى الجمع لأنّه مضاف فيفيد العموم ، ولعلّ فيه إشارة إلى خطيئة خاصة مشتركة . وقرأ أبو عمرو ( خطاياكم ) وبها قرأ الجمهور في آية البقرة ، مع إختلافهم في فعل المغفرة كما هنا . وكتابة الكلمتين في المصحف الإمام تحتمل كلّ ما ذكر في الكلمتين ، وفائدة الإختلاف لفظية وهي التوسع في القراءة ، وقال القطب الشيرازي أن فائدة الإختلاف بين قراءتي الإفراد والجمع للخطيئة أن هذه الذنوب تغفر لهم إذا فعلوا ما أمروا به من قول وفعل سواء كانت قليلة كواحدة أو كثيرة . 8 - قال هاهنا { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } بدون واو على الإستئناف البياني وهو جواب سؤال كأنّه قيل : وماذا بعد المغفرة ؟ أي سنزيد المحسنين في عملهم جزاء حسناً على إحسانهم . وفي سورة البقرة ( وسنزيد ) بالعطف ، والمعنى واحد . وقد يكون طرح الواو أدل على كون هذه الزيادة تفضل محض ليس مشاركاً للمغفرة فيما جعل سبباً لها من الخضوع والسجود والإستغفار والدعاء بحط الأوزار . 9 - قال هاهنا { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } وفيه زيادة ( منهم ) على مثله من سورة البقرة وسببها ما تقدّم نظيره في قوله تعالى : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } إلخ من الحاجة إلى ذكر ضمير المحكي عنهم لربط الكلام ، وهذه الحاجة منتفية في سورة البقرة كما علمت من الفرق السابع آنفاً ، وليس لزيادة البيان كما قيل ، بل هو الأصل هاهنا ولا حاجة إليه هنالك وإن كان حكاية عن الغائبين ، لأنّه لم يخرج عن سياق مخاطبة خلفهم الحاضرين . وأمّا معنى تبديلهم قولاً غير الذي قيل لهم فقد تقدّم بيانه في تفسير آية البقرة ، وملخّصه أنّهم عصوا بالقول والفعل . وخالفوا الأمر مخالفة تامة لا تحتمل الإجتهاد ولا التأول ، فلم يراعوا ظاهر مدلول لفظه ، ولا فحواه والمقصد منه ، حتى كأن المطلوب منهم غير الذي قيل لهم ، ولو قال فبدلوا قولاً بقول ، أو فبدلوا ما قيل لهم ، لم يدلّ على هذا المعنى كلّه . ولا ثقة لنا بشيء ممّا روي في هذا التبديل من ألفاظ عبرانية ولا عربية ، فكلّه من الإسرائيليات الوضعية ، كما قاله الأستاذ الإمام هنالك . وإن خرج بعضه في الصحيح والسنن موقوفاً ومرفوعاً كحديث أبي هريرة المرفوع في الصحيحين وغيرهما " قيل لبني إسرائيل { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [ البقرة : 58 ] فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا : حطة ، حبة في شعرة " وفي رواية شعيرة . رواه البخاري في تفسير السورتين من طريق همام بن منبه أخي وهب وهما صاحبا الغرائب في الإسرائيليات . ولم يصرّح أبو هريرة بسماع هذا من النبيّ صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنّه سمعه من كعب الأحبار إذ ثبت أنّه روي عنه ، وهذا مدرك عدم إعتماد الأستاذ رحمه الله تعالى على مثل هذا من الإسرائيليات وإن صحّ سنده ولكن قلّما يوجد في الصحيح المرفوع شيء يقتضي الطعن في سندها . 10 و 11 و 12 - قال هاهنا : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } وقال هنالك { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ البقرة : 59 ] فالإختلاف في ثلاثة مواضع : أوّلها : بين الإرسال والإنزال وهو لفظي ، إذ الإرسال من فوق عين الإنزال . ثانيها : بين المضمر " عليهم " والمظهر ( على الذين ظلموا ) والمراد منهما أن ذلك الرجز عذاب كان خاصاً بالذين ظلموا لا عاماً فحسن أن يقول في آية الأعراف " عليهم " لتصريحه بسببية الظلم بعده ولو قال : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } لكان تكرار التعليل بالظلم منافياً للبلاغة ، وهذا التكرار منتف في آية البقرة لأن التعليل فيها بالفسق لا الظلم . ثالثها : بين يظلمون ويفسقون وفائدته بيان أنّهم كانوا جامعين بين الظلم الذي هو نقص للحق أو إيذاء للنفس أو للغير ، وبين الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة ولو في غير الظلم للنفس أو للناس . وحسن أن تكون هذه الزيادة في آية البقرة لأنّها نزلت آخراً . والرجز العذاب الذي تضطرب له القلوب أو يضطرب له الناس في شؤونهم ومعايشهم كما تقدّم تحقيقه في تفسيره الآية ( 133 ) من هذه السورة وذكرنا فيها قول المفسرّين إن الرجز الذي أرسله الله على الظالمين في قصّة دخول القرية هو الطاعون وأنّه جائز ولكن لم يثبت بنقل صحيح ، وقد عزاه بعض المفسرّين إلى وهب بن منبه . إن الله تعالى أنزل القرآن هدى وموعظة ، وجعل قصص الرسل فيه عبرة وتذكرة ، لا تاريخ شعوب ومدائن ، ولا تحقيق وقائع ومواقع . والعبرة في هذه القصّة أن نتّقي الظلم والفسق . ونعلم أن الله يعاقب الأمم على ذنوبها في الدنيا قبل الآخرة ، وأنّه قد عاقب بني إسرائيل بظلمهم ، ولم يحل دون عقابه ما كان لهم من المزايا والفضائل ، وكثرة وجود الأنبياء فيهم . ومنه السياق الآتي .