Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-56)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } قرأ حمزة والكسائي " أَوَلَمْ تَرَوْا " بالتاء على معنى المخاطبة . وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة يعني : أولم يعتبروا . { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ } عند طلوع الشمس وعند غروبها { يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلُهُ } يعني : يدور ظله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } . قال القتبي : أصل الفيء الرجوع ، وتفيؤ الظلال رجوعها من جانب إلى جانب { سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دٰخِرُونَ } أي : صاغرون وهم مطيعون وأصل السجود التطأطؤ والميل ، يقال سجد البعير إذا تطأطأ وسجدت النخلة إذا مالت ، ثم قد يستعار السجود ويوضع موضع الاستسلام والطاعة ، ودوران الظل من جانب إلى جانب هو سجوده لأنه مستسلم منقاد مطيع فذلك قوله : { سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دٰخِرُونَ } قرأ أبو عمرو " تَتَفَيَّأُ " بالتاء بلفظ التأنيث والباقون بالياء لأن تأنيثه ليس بحقيقي ولأن الفعل مقدم فيجوز التذكير والتأنيث . ثم قال تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ } أي : يستسلم { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } من الملائكة والشمس والقمر والنجوم { وَمَا فِى ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ } يعني : يسجد لله جميع ما في الأرض من دابة { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } يعني : وما على الأرض من الملائكة . ويقال فيه تقديم وتأخير ، ومعناه ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة . ويقال : معناه : يسجد له جميع ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة ، يعني : الدواب والملائكة والذين هم في السموات والأرض . ثم قال : { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أي : لا يتعظمون عن السجود لله تعالى { يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ } أي : يخافون الله تعالى . روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجداً مذ خلقهم الله تعالى إلى يوم القيامة ترعد فرائصُهم من مخافة الله تعالى . فإِذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم فقالوا ما عبدناك حق عبادتك . فذلك قوله { يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ } " أي : يخافون خوفاً معظمين مبجلين . ويقال : خوفم بالقهر والغلبة والسلطان . ويقال : معناه : يخافون ربهم الذي على العرش كما وصف نفسه بعلوه وقدرته . والطريق الأول أوضح كقوله { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] أي : لا يعصون الله تعالى طرفة عين . قرأ أبو عمرو يتفيؤ بالتاء بلفظ التأنيث وقرأ الباقون بالياء لأن تأنيثه مقدم فيجوز أن يذكر ويؤنث . قوله : { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : لا تقولوا ولا تصفوا إلهين اثنين . أي نفسه والأصنام . ويقال : نزلت الآية في صنف من المجوس . إنهم وصفوا إلهين اثنين . قال الله تعالى : { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ } أي : فاخشوني ووحدوني وأطيعوني ولا تعبدوا غيري { وَلَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } من الملائكة { وٱلأَرْضِ } من الخلق ، الجن والإنس كلهم عبيده وإماؤه { وَلَهُ ٱلدّينُ وَاصِبًا } . أي دائماً خالصاً ، ويقال : الألوهية والربوبية له خالصاً ، ويقال : دينه واجب أبداً لا يجوز لأحد أن يميل عنه . ويقال : معناه : وله الدين والطاعة رضي العبد بما يؤمر به أو لم يرض . والوصب في اللغة : الشدة والتعب ثم قال : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } أي : تعبدون غيره { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } يعني : إن الذي بكم من الغنى وصحة الجسم من قبل الله تعالى { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ } يعني : الفقر والبلاء في جسدكم { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } يعني إليه تتضرعون ليكشف الضر عنكم . كما قال في سورة الدخان { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } [ الدخان : 12 ] . { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم } يعني الكفار { بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي : يعبدون غيره . قوله : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتَيْنَـٰهُمْ } أي : يجحدوا بما أعطيناهم من النعمة { فَتَمَتَّعُواْ } ( اللفظ لفظ الأمر والمراد به التهديد ) . كقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصلت : 40 ] يعني : تمتعوا بقية آجالكم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي : تعرفون في الآخرة ماذا نفعل بكم . قوله : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا } أي : يجعلون لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام كقوله : { فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] وقوله : { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا } [ النحل : 56 ] قال بعضهم : يعني : الكفار جعلوا لأصنامهم نصيباً ولا يعلمون منهم ضراً ولا نفعاً ، وبعضهم قال : معناه : يجعلون للأصنام الذين لا يعلمون شيئاً نصيباً أي : حظاً { مّمّا رَزَقْنَـٰهُمْ } من الحرث والأنعام قال تعالى : { تَٱللَّهِ لَتُسْـئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } أي : تكذبون على الله لأنهم كانوا يقولون إنَّ الله أمرنا بهذا .