Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 59-66)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى : [ { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ } وذلك أنه إذا كان يوم نادى مناد ] { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني : اعتزلوا أيها الكفار من المؤمنين فإنهم قد تأذوا منكم في الدنيا فاعتزلوهم حتى ينجوا منكم ويقال : إن المنادي ينادي أيها المجرمون امتازوا فإن المؤمنين قد فازوا ، وأيها المنافقون امتازوا فإن المخلصين قد فازوا ، ويا أيها الفاسقون امتازوا فإن الصالحين قد فازوا ، ويا أيها العاصون امتازوا فإن المطيعين قد فازوا ، ثم يقول للكفار والمنافقين بعدما امتازوا { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } يعني : ألم أتقدم إليكم ، ويقال : ألم أبين لكم في القرآن ، ويقال : ألم أوضح لكم { يٰبَنِيۤ ءَادَمَ } بالكتاب والرسل . وقال القتبي : العهد يكون لمعان : يكون للأمانة كقوله : { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ } [ التوبة : 4 ] ويكون لليمين ويكون للميثاق ، ويكون للزمان ، كما يقال : كان ذلك في عهد فلان : أي في زمانه ويكون العهد للوصية كقوله { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ } يعني : أن لا تطيعوا الشيطان ، قال ابن عباس من أطاع شيئاً فقد عبده { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يعني : بيّن العداوة { وَأَنِ ٱعْبُدُونِى هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يعني : أطيعوني ووحدوني يعني : هذا التوحيد طريق مستقيم ويقال دين الإسلام هو طريق مستقيم لا عوج فيه وهو طريق الجنة قوله عز وجل : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } يعني : خلقاً كثيراً ، وقرأ نافع وعاصم { جِبِلاًّ } بكسر الجيم والباء والتشديد ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر ( جبِلا ) بضم الجيم وجزم الباء ، والباقون بضم الجيم والباء ، ومعنى ذلك كله واحد ، وقال أهل اللغة : الجبل والجبلة كله بمعنى واحد ، يعني الناس الكثير { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } ما فعل بمن كان قبلكم فتعتبروا فلم تطيعوه ، فلما دنوا من النار قال لهم خزنتها { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا فلم تصدقوا بها { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } يعني : اصلوها اليوم بما كفرتم في الدنيا عقوبة لكم في الدنيا { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ } وذلك حين قالوا : { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] { وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يعني : يعملون من الشرك والمعاصي ثم قال : { وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } قال مقاتل : يعني لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصّرٰطَ } يعني : ولو طمست الكفر لاستبقوا الصراط ، أي لجازوا الطريق { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } يعني : فمن أين يبصرون الهدى بعدما جعلت قلوبهم قاسية ، وجعلت على أعمالهم غطاء وَأكِنَّةً على قلوبهم قال الكلبي : ولو نشاء لفقأنا أعين الضلالة فأبصروا الهدى واستبقوا الطريق { فَأنَّى يُبْصِرُونَ } الطريق ، ويقال : فأنى يبصرون الهدى ، وقال بعضهم : ولو نشاء لأعمينا أبصارهم في أسواقهم ومجالسهم ، كما فعلنا بقوم لوط عليه السلام حين كذبوه وراودوه عن ضيفه { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصّرٰطَ } يعني : فابتدروا الطريق هرباً إلى منازلهم ولو فعلنا ذلك بهم .