Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-91)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } نزلت في تسعة نفر ارتدوا عن الإسلام ، فخرجوا من المدينة ، وانطلقوا إلى مكة ، ثم إنهم خرجوا تجاراً إلى الشام ، فقال بعض المسلمين : نخرج إلى هؤلاء ونقتلهم ونأخذ أموالهم ، وقال بعضهم : هم مسلمون فلا يجوز أخذ أموالهم ، ويقال : كان قوم من المنافقين بمكة ، خرجوا إلى الشام ، فاختلف المسلمون في أمرهم ، فبين الله تعالى للمسلمين نفاقهم فقال تعالى : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } يعني ، صرتم في المنافقين فئتين ، أي فريقين تختصمون في أمرهم { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } أي أذلهم ويقال : أهلكهم ، ويقال : أركسهم أي ردهم إلى كفرهم ، ويقال : ركست الشيء وأركسته إذا أرددته إلى الحال الأول . ثم قال تعالى : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } [ يعني أترشدون إلى الهدى من أضله الله ] { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } عن الهدى { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } يعني ، ديناً ، ويقال : مخرجاً . ثم قال تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي ترجعون عن هجرتكم { كَمَا كَفَرُواْ } أي كما رجعوا { فَتَكُونُونَ } أنتم وهم على الكفر { سَوَآءً } ومن هذا يقال في المثل : إن من أحرق يوماً كدسه ، يتمنى حرق أكداس الأمم ، فكذلك الكفار ، كانوا يتمنون أن يكون الناس كلهم كفاراً ، حتى يحترقوا معهم . قال الله تعالى : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ } في الدين والنصرة { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } حتى يتوبوا ، ويرجعوا إلى دار الهجرة بالمدينة { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني أبوا الهجرة { فَخُذُوهُمْ } يعني فأسروهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } يعني أين وجدتموهم من الأرض . { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } في العون . ثم استثنى الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } وهم خزاعة ، وبنو مدلج ، وبنو خزيمة ، وهلال بن عويمر الأسلمي وأصحابه ، صالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن كل من أتاهم من المسلمين ، فهو آمن ومن جاء منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو آمن ، وفي هذه الآية إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل الإسلام إذا كانت في الموادعة مصلحة للمسلمين . ثم قال تعالى : { أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } أي ضاقت قلوبهم { أَن يُقَـٰتِلُوكُمْ } من قبل العهد { أَوْ يُقَـٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } معكم من قبل القرابة . ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَـٰتَلُوكُمْ } ذكر منته على المؤمنين أنه يدفع عنهم البلاء ، ومنعهم عن قتالهم ، ثم قال تعالى : { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } في القتال { فَلَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ ، وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي الصلح ، معناه أنهم لو ثبتوا على صلحهم ، فلا تقاتلوهم ، فذلك قوله : { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي حجة وسلطاناً في قتالهم ، ثم قال عز وجل : { سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } وهم أسد وغطفان ، كانوا إذا أتوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون : آمنا بك ، وإذا رجعوا إلى قومهم قالوا : آمنا بالعقرب والخنفساء ، يقول : إنهم لم يريدوا بذلك تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أرادوا به الاستهزاء . وقال مجاهد : هم ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون بالأوثان ، ويريدون أن يأمنوا ها هنا ، وها هنا ، فذلك قوله تعالى : { كُلَّمَا رُدُّواْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } ، يقول : كلما دعوا إلى الشرك { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } يقول : عادوا إليه ، ودخلوا فيه { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } في القتال { وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي لم يلقوا إليكم الصلح { وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ } عن قتالكم ، يعني إن لم يكفوا أيديهم { فَخُذُوهُمْ } يعني أسروهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يعني حيث أدركتموهم ، ووجدتموهم { وَأُوْلَـٰئِكُمْ } يعني أهل هذه الصفة { جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً } يعني حجة { مُّبِيناً } أي حجة مبينة في القتال .