Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-92)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } يقول : وما جاز لمؤمن أن يقتل مؤمناً متعمداً ، إلا خطأ بغير قصد منه ، ويقال : معناه ، ولا خطأ أي ما جاز له يقتل عمداً ولا خطأ . ثم قال تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً } نزلت الآية في شأن عياش بن أبي ربيعة ، حين قتل الحارث بن زيد ، وذلك أن عياشاً هاجر إلى المدينة مؤمناً ، فجاءه أبو جهل بن هشام ، والحارس بن هشام وهما أخواه لأمه ، ومعهما الحارث بن زيد ، فقالوا له : إن أمك تناشدك بحقها ، ورحمها أن ترجع إليها ، وإنك أحب الأولاد إليها ، وقد حلفت ألا يظلها بيت ، ولا تأكل طعاماً ، ولا تشرب شراباً حتى ترجع إليها ، فارجع إليها وكن على دينك ، فخرج معهم ، فلما خرج من المدينة أوثقوه بحبل وضربوه ، وحملوه إلى مكة ، وألقوه في الشمس وحلفت أمه بأن لا يحله أحد ما لم يكفر بالله ، فتركوه على حاله حتى أعطاهم الذي أرادوه ، فحلوه من الوثاق فقال له الحارث بن زيد : إن كان الذي كنت عليه هدى ، فقد تركته ، وإن كان ضلالة فقد كنت في ضلالة ، فحلف عياش بأن يقتل الحارث بن زيد إذا لقيه خالياً . ثم إن عياشاً خرج إلى المدينة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم الحارث بن زيد بعد ذلك فلقيه عياش في بعض سكك المدينة ولم يعلم بإسلامه فقتله ، ثم علم بإسلامه فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالأمر الذي كان منه ، فنزلت هذه الآية فيه وصارت الآية عامة لجميع الناس ، وهو قوله : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ولو أعتق رقبة كافرة لم يجز بالإجماع . { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } أي وعليه دية مسلمة إلى أهل القتيل ، والدية مائة من الإبل ، { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } وأصله : يتصدقوا ، فأدغم التاء في الصاد ، وأقيم التشديد مقامه ، ومعناه ، إلا أن يعفو عنه أولياء القتيل ، ولا يأخذوا منه شيئاً ، ثم قال : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } يعني إن كان القتيل من أهل الحرب ، وقد أسلم في دار الحرب ، فقتله رجل في دار الحرب ، فعلى القاتل الكفارة ، عتق رقبة مؤمنة ولا دية عليه ، وهذا بالإجماع . وقد نزلت في شأن أسامة بن زيد ، قتل رجلاً يقال له : مرداس ، وكان مسلماً ، فنزلت هذه الآية . وروي عن عطاء بن السائب عن ابن عباس أنه قال : كان الرجل [ يأتي فيسلم ، ثم ] يأتي قومه ، وهم مشركون ، فيقيم فيهم فيغزوهم جيوشاً من جيوش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقتل الرجل ، فنزلت هذه الآية : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } وليس عليه دية ، ثم قال : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ } يعني إن كان المقتول من أهل الذمة ، { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } أي فعليه دية مسلمة { إِلَىٰ أَهْلِهِ } { و } عليه أيضاً { تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } . وروي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن مستأمنين دخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكساهما وحملهما ، فلما خرجا من عنده لقيهما عمرو بن أمية الضمري ، فقتلهما ، ولم يعلم أنهما مستأمنان ففداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية حرين مسلمين ، فنزلت هذه الآية : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } ولهذا قال علماؤنا - رحمهم الله - إن دية الذمي والمسلم سواء ، وهكذا روي عن أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - أن دية الذمي والمسلم سواء ، مائة من الإبل ، ثم قال : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي قاتل الخطأ إذا لم يجد رقبة مؤمنة { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } أي فعليه صيام شهرين { مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي تلك الكفارة ، توبة للقاتل من الله تعالى . ويقال : سبب التجاوز من الله . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } يعني عليماً بالقاتل { حَكِيماً } حكم بالكفارة على من قتل خطأ .