Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 10-14)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يعني يوم الحديبية تحت الشجرة ، وهي بيعة الرضوان ، قال الكلبي : بايعوا تحت الشجرة ، وهي شجرة السَمرة وهم يومئذٍ ألف وخمسمائة وأربعون رجلاً ، وروى هشام عن محمد بن الحسن قال : كانت الشجرة أم غيلان { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } يعني كأنهم يبايعون الله ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بايعهم بأمر الله تعالى ، ويقال { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أي لأجله وطلب رضاه ثم قال { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } يعني يد الله بالنصرة والغلبة والمغفرة { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } بالطاعة ، وقال الزجاج { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم } يحتمل ثلاثة أوجه أحدها : يد الله فوق أيديهم بالوفاء ، ويحتمل يد الله فوق أيديهم بالثواب ، فهذان وجهان جاءا في التفسير ، ويحتمل أيضاً : يد الله فوق أيديهم في المِنَّة عليهم وفي الهداية ، فوق أيديهم في الطاعة { فَمَن نَّكَثَ } يعني نقض العهد والبيعة { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ يعني عقوبته على نفسه { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } قرأ حفص برفع الهاء أي وفي بما عاهد عليه من البيعة فيتم ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، يعني أوفى بما عاهد الله عليه ] من البيعة والتمام في ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } في الجنة ، قرأ نافع وابن كثير وابن عامر ( فَسَنُؤْتِيهِ ) بالنون والباقون بالياء ، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد ، يعني سيؤتيه الله ثواباً عظيماً قوله تعالى { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } وهم أسلم وأشجع وعقار وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى مكة عام الحديبية ، فاستتبعهم وكانت منازلهم بين مكة والمدينة ، فقالوا فيما بينهم نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه فقاتلهم ، فاعتلوا عليه بالشغل حتى رجع ، فأخبر الله تعالى رسوله قبل ذلك أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر وهم كاذبون ، فقال { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } يعني الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } يعني خفنا عليهم الضيعة ولولا ذلك لخرجنا معك { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } في التخلف { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } يعني من طلب الاستغفار ، وهم لا يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم { قُلْ } يا محمد { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } يعني من يقدر أن يمنع عنكم من عذاب الله شيئاً { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } يعني قتلاً أو هزيمة { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } يعني النصرة ، قرأ حمزة والكسائي ( ضُرًّا ) بضم الضاد وهو سوء الحال ، والمرض وما أشبه ذلك والباقون بالنصب وهو ضد النفع ، اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير ، يعني لا يقدر أحد على دفع الضر ، ومنع النفع غير الله ، ثم استأنف الكلام فقال { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } يعني عالماً بتخلفكم ومرادكم قوله عز وجل { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ } يعني بل منعكم من السير معه لأنكم ظننتم أن لن ينقلب الرسول { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } من الحديبية { إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } يعني حُسْن التخلف في قلوبكم { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } يعني حسبتم الظن القبيح { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } يعني هلكى ، وروي عن ابن عباس أنه قال : البور في لغة أزد وعمان - الشيء الفاسد - والبور في كلام العرب : لا شيء ، يعني أعمالهم بور ، أي مبطلة قوله عز وجل { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني من لم يصدق بالله في السر كما صدقه في العلانية { فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً } يعني هيأنا لهم عذاب السعير قوله تعالى { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني خزائن السماوات والأرض ، ويقال ونفاذ الأمر في السماوات والأرض { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ } وهو فضل : منه المغفرة ، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير وهو عدل منه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } بهم .