Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 4-4)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تجهز في سنة ست في ذي القعدة فخرج إلى العمرة معه ألف وستمائة رجل ، ويقال : ألف وأربعمائة وساق سبعين بدنة فبلغ قريشاً خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فبعثوا خالد بن الوليد في عصابة منهم ليصدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن البيت ، فلما نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان قال : " إن قريشاً جعلت لي عيوناً فمن يدلني على طريق الثنية ، فقال رجل من المسلمين أنا يا رسول الله ، فخرج بهم وانتهوا إلى الثنية ، وصعدوا فيها ، فلما هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الثنية بركت ناقته القصواء ، فلم تنبعث فزجرها ، وزجرها الناس وضربوها فلم تنبعث ، فقال الناس خلأت القصواء أي صارت حرونا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خلأت القصواء وما كان ذلك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : لا يسألونني فيما بيني وبينهم شيئاً يعظمون به حرماتهم إلا قبلته منهم ثَم زجرها فانبعثت ، فلما نزلوا على القليب بالحديبية لم يكن في البئر إلا ماء وشيك يعني قليل متغير فاستسقوا فلم يبق في البئر ماء ، فقال مَن رجل يهيج لنا الماء ، فقال رجل أنا يا رسول الله ، فقال : ما اسمك ؟ قال : مرة فقال تأخر ، فقال رجل آخر أنا يا رسول الله ، فقال ما اسمك ؟ قال : ناجيه فقال : انزل فنزل فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقصاً فبحت به البئر فنبع الماء ، وقال في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان ماء الحديبية قد قل ، فأتى بدلو من ماء فتوضأ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وجعل منه في فيه ثم مجه في الدلو ، ثم أمرهم بأن يجعلوه في البئر ففعلوا فامتلأت البئر حتى كادوا يغرقون منها وهم جلوس ففزع المشركون لنزول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الحديبية ، فجاؤوه واستعدوا ليصدوه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر يا عمر : اذهب فاستأذن لنا عليهم حتى نعتمر ، ويخلوا بيني وبين البيت ، لا أريد منهم غيره ، فقال عمر يا رسول الله ليس ثم أحد من قومي يمنعني ، فأرسل عثمان فإن هناك ناساً من بني عمه يمنعونه ، فذهب عثمان فتلقاه أبان بن سعيد بن العاص ، فقال له أجرني من قومك حتى أبلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فأجاره وحمله على فرسه وراءه ودخل به مكة ، فاستأذن عثمان قريشاً فأبوا أن يأذنوا له ، فقال أبان لعثمان طف أنت إن شئت ، فقال لما كنت لأتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وبقي هناك ثلاثة أيام ، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن عثمان قد قتل ، فقال لأصحابه بايعوني على الموت ، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة فبايعه أصحابه على الموت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إني أخاف ألا يدرك عثمان هذه البيعة فأنا أبايع له يميني بشمالي ، ثم رجع عثمان فأخبر أنهم قد أبوا ذلك ، وبلغت قريشاً البيعة ، فكبرت تلك البيعة عندهم ، وقالوا ليزيد بن الحارث الكناني أردده عنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابعثوا الهدي في وجهه يراها فإنهم قوم يعظمون الهدي ، فبعثوا الهدي في وجهه ، فلما رأى يزيد بن الحارث الهدي قال : ما أرى أحداً يفلح برد هذا الهدي ، ورجع إلى قريش فقال لهم : لا تردوا هذا الهدي فإني أخشى أن يصيبكم عذاب من السماء ، فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ، فجلس إليه فقال يا محمد : ارجع عن قومك هذه المرة ، فجعل يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويومىء بيديه إلى لحيته ، وكان المغيرة قائماً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربه بالسوط على يده ، وقال اكفف يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إليك ما تكره ، فقال عروة : من هذا يا محمد ؟ فقال : ابن أخيك المغيرة بن شعبة ، فقال يا غدر ما غسلت سلحتك عني بعد ، أفتضرب يدي ؟ قال : اكففها قبل أن لا تصل إليك ، فرجع عروة إلى قريش ، فقالوا له ما ورائك يا أبا يعقوب ، فقال خلوا سبيل الرجل يعتمر ، فإني حضرت كسرى وقيصر والنجاشي فما رأيت ملكاً قط أصحابه أطوع من هذا الملك ، والله إنه ليتنخم فيبتدرون نخامته ، والله إنه ليجلس فيبتدرون التراب الذي يجلس عليه ، وإنه ليتوضأ فيبتدرون وضوءه ، فقالوا جبنت وانتفح سحرك ، ثم قالوا لسهيل بن عمرو اذهب واردده عنا وصالحه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قد سهل أمرهم ، فجاءه سهيل في نفر من قريش فقال : يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة على أن لك أن تأتيهم من العام المقبل فتعتمر أنت وأصحابك ، ويدخل كل إنسان منكم بسلاحه راكباً ، فتصالحنا على أن لا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين ، فرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فأمر علياً رضي الله عنه أن يكتب ، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل : لا أعرف الرحمن ، قال فكيف أكتب ؟ قال : اكتب باسمك اللهم ، فكتب باسمك اللهم ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سهيل لو أعلم أنك رسول الله لاتبعتك ، أفترغب عن اسم أبيك ؟ فقال علي رضي الله عنه : فوالله إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رغم أنفك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أنا محمد رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ، اكتب محمد بن عبد الله ، لأنه كان عهد أن لا يسألوه عن شيئاً يعظمون به حرماتهم إلا قبله ، فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، سهيل بن عمرو ، ألا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين ، وندخل في حلفنا من نشاء ، وتدخلوا في حلفكم من شئتم ، وعلى أنكم تأتون من العام المقبل وتقيمون ثلاثة أيام ثم ترجعون ، وعلى أن ما جاء منا إليكم لا تقبلوه وتردوه إلينا ، ومن جاء منكم إلينا فهو منا فلا نرده إليكم ، فشق ذلك الشرط على المسلمين فقالوا يا رسول الله : من لحق بنا منهم لم نقبله ، ومن لحق بهم منا فهو لهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما من لحق بهم منا فأبعده الله وأولى بمن كفر وأما من أراد أن يلحق بنا منهم فسيجعل الله له مخرجاً ، فجاء أبو جندل بن سهيل يوسف في الحديد ، يعني يمشي مشي الأعرج قد أسلم فأوثقه أبوه حين خشي أن يذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ، فلما وقع في ظهراني المسلمين ، قال إني مسلم فجاء أبوه ، فقال : إنما كتبنا الكتاب الساعة ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله أليس الله حق وأنت نبيه ؟ قال : بلى ، قال : ونحن قوم مؤمنون ؟ وهم كفار ؟ قال بلى ، قال فلم نُعْطِي الدنية في ديننا ، قال إنما كتبنا الكتاب الساعة ، فتحول عمر إلى أبي جندل فقال : يا أبا جندل إن الرجل يقتل أباه في الله ، وإن دم الكافر لا يساوي دم كلب ، وجعل عمر يقرب إليه سيفه كيما يأخذه ويضرب به أباه ، فقال أبو جندل ما لك لا تقتله أنت ؟ فقال عمر : نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنت بأحق بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني ، لا أقتل أبي ، فأخذ سهيل بن عمرو غصن من أغصان تلك الشجرة فضرب به وجه أبي جندل ، والمسلمون يبكون ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خلوا بينه وبين ابنه ، فإن يعلم الله من أبي جندل الصدق ينجيه منهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسهيل هبه لي فقال سهيل لا ، فقال مكرز بن حفص قد أجرته يعني أمنته فآمنه حتى رده إلى مكة فأنجى الله تعالى أبا جندل من أيديهم بعد ما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، فخرج إلى شط البحر واجتمع إليه قريباً من سبعين رجلاً كرهوا أن يقيموا مع المشركين ، وعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لن يقبلهم حتى تنقضي المدة ، فعمدوا إلى عير لقريش مقبلة إلى الشام أو مدبرة فأخذوها ، وجعلوا يقطعون الطريق على المشركين ، فأرسل المشركون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يناشدونه إلا قبضهم إليه ، وقالوا له أنت في حل منهم ، فالتحقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فعلم الذين كرهوا الصلح أن الخير فيما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن ينحروا البدن ، ويحلقوا الرؤوس فلم يفعل ذلك منهم أحد ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة فقال : ألا تعجبين ، أمرت الناس أن ينحروا البدن ويحلقوا فلم يفعل أحد منهم ، فقالت أم سلمة قم أنت يا رسول الله وانحر بدنك ، واحلق رأسك فإنهم سيقتدون بك ، فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البدن وحلق رأسه ففعل القوم كلهم ، فحلق بعضهم وقصر بعضهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، يرحم الله المحلقين ، فقالوا والمقصرين يا رسول الله ، فقال يرحم الله المحلقين والمقصرين " ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فنزل { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } إلى قوله : { هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني السكون والطمأنينة في البيعة في قلوب المؤمنين { لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ } يعني تصديقاً مع تصديقهم الذي هم عليه ، ويقال تصديقاً بما أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيعة ، ويقال يعني إقراراً بالفرائض مع إقرارهم بالله تعالى ، وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } قال يعني الرحمة { فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً } قال إن الله تعالى بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - بشهادة أن لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله ، كما قال { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَد ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الاخلاص : 1 ، 4 ] فلما صدقوا بها زادهم الصلاة ، فلما صدقوا بها زادهم الزكاة ، فلما صدقوا بها زادهم الصوم ، فلما صدقوا بها زادهم الحج ، فلما صدقوا به زادهم الجهاد ، يعني إن في كل ذلك يزيد تصديقاً مع تصديقهم ، { وَلِلَّهِ جُنُود ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فجنود السموات الملائكة ، وجنود الأرض المؤمنون من الجن والإنس { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بخلقه { حَكِيماً } في أمره حيث حكم بالنصر للمؤمنين يوم بدر .