Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 2-3)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ولم يقل يا أيها الذين عصوا ، وقد ذكرنا من قبل أن النداء على ست مراتب وهذا نداء مدح قوله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } نزلت في وفد بني تميم قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم سبعون أو ثمانون منهم الأقرع بن حابس ، والزبرقان بن بدر ، وعطارد بن الحجاب وذلك حين قالوا ائذن لشاعرنا وخطيبنا في الكلام ، فعلت الأصوات واللغط ، فنزلت الآية { لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } ويقال نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس وكان في أذنه وقر ، فكان إذا تكلم رفع صوته ، ثم قال : { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } يعني : لا تدعوه باسمه كما يدعو الرجل الرجل منكم باسمه ، ولكن عظموه ووقروه وقولوا : يا نبي الله ، ويا رسول الله ثم قال : { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أن ذلك يحبطها ، يعني : إن فعلتم ذلك فتحبط حسناتكم ، وقال بعضهم من عمل كبيرة من الكبائر حبط جميع ما عمل من الحسنات ، واحتج بهذه الآية { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } ولكن نحن نقول : الكبيرة لا تبطل العمل ما لم يكفر ، وإنما ذكر ها هنا إبطال العمل : لأن في ذلك استخفافاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن قصد الاستخفاف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كفر ، فلما نزلت هذه الآية دخل ثابت بن قيس بيته وجعل يبكي ويقول أنا من أهل النار ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فبعث إليه وقال " إنك من أهل الجنة بل غيرك من أهل النار فقال : يا رسول الله لا أتكلم بعد ذلك إلا سراً أو ما كان يشبه السر فنزل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } - صلى الله عليه وسلم - " روى ثابت عن أنس قال : " لما نزل لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ وكان ثابت بن قيس رفيع الصوت فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي ، وحبط عملي ، أنا من أهل النارِ وجلس في بيته يبكي ، ففقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبروه بما قال ، فقال - صلى الله عليه وسلم - بل هو من أهل الجنة " فقال أنس : لكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ، فلما كان يوم اليمامة فكان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئس ما تعودون أقرانكم ، فقاتلهم حتى قتل ، ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } يعني : أخلص الله قلوبهم ، ويقال أصفى الله عز وجل قلوبهم للتقوى من المعصية ، يعني : يجعل قلوبهم موضعاً للتقوى { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي ثواب وافر في الجنة ، يعني : يجعل ثوابهم في الدنيا ، أن يخلص قلوبهم للتقوى ، وفي الآخرة أجر عظيم .