Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 4-8)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ } فالحجرات : جمع الحجرة ، يقال حجرة وحجرات مثل ظلمة وظلمات ، وقرىء في الشاذ الحجَرات بنصب الجيم ، وقرأه العامة بالضم ، ومعناهما واحد ، نزلت الآية في شأن نفر من بني تميم ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أسامة بن زيد ، فانتهى إلى قبيلة وكانت تسمى بني العنبر ، فأغار عليهم وسبى زراريهم ، فجاء جماعة منهم ليشتروا أسراهم ، أو يفدوهم فنادوه وكان وقت الظهيرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجرة فنادوه من وراء الحجرة ، وكان لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجرات ، فلما خرج النبي كلموه في أمر الزراري فقال لواحد منهم احكم ، فقال : حكمت أن تخلي نصف الأسارى وتبيع النصف منا ، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُراتِ { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنهم لو لم ينادوه لكان يعتقهم كلهم وروى معمر عن قتادة أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه من وراء الحجرات فقال يا محمد : إِنَّ مَدْحِي زَيْن ، وإِن شَتْمِي شَيْن فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " وَيْلَكَ ذَلَّكَ اللَّهُ عز وجل " فَنَزل إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ الآية ثم قال عز وجل : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } بهم بعد التوبة قوله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق ليقبض الصدقات ، فخرجوا إليه ليبجلوه ويعظموه ، فخشى منهم لأنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : خرجوا إِليَّ بأسلحتهم ، ومنعوا مني الصدقات ، وأطرحوني وأرادوا قتلي ، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث لقتالهم ، فجاؤوا إلى المدينة وقالوا يا رسول الله : لما بلغنا قدوم رسولك خرجنا نبجله ونعظمه فانصرف عنا ، فاغتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما فعل الوليد بن عقبة فنزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } يعني : بحديث كذب ، وبخبر كذب { فَتَبَيَّنُواْ } يعني : وتعرفوا ولا تعجلوا { أَنْ تُصِيببُواْ } يعني : كيلا تصيبوا { قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } وأنتم لا تعلمون بأمرهم { فَتُصْبِحُواْ } يعني : فتصيروا { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ } قرأ حمزة والكسائي " فَتَثَبَّتُوا " بالثاء ، وقرأ الباقون " فَتَبَيَّنُواْ " مثل ما في سورة النساء ، ثم قال للمؤمنين رضي الله عنهم { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } يعني : ما أمرتم به ، لأن الناس كانوا قد حرضوه على إرسالهم لقتال بني المصطلق ، { لَعَنِتُّمْ } يعني : لأثمتم ، وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية : { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } يعني : هذا نبيكم وخياركم لو يطيعكم في كثير من الأمْر لعنتم فكيف بكم اليوم ، ويقال : لعنتم أي لهلكتم ، وأصله من عنت البعير إذا انكسرت رجله ، ثم ذكر لهم النعم فقال { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَـٰنَ } يعني ؛ جعل حب الإيمان في قلوبكم { وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ } يعني : حسنه للثواب الذي وعدكم ، ويقال : دلكم عليه بالحجج القاطعة ، ويقال : زينه في قلوبكم بتوفيقه إياكم لقبوله { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } يعني : بغض إليكم المعاصي والكفر . لما بينه من العقوبة . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرٰشِدُونَ } يعني : المهتدون ، فذكر أول الآية على وجه المخاطبة ، وآخر الآية بالمغايبة ، ثم قال أُوْلَـئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ليعلم أن جميع من كان حاله هكذا ، فقد دخل في هذا المدح ، وفي الآية دليل أن من كان مؤمناً فإنه لا يحب الفسوق والمعصية ، لأن الله تعالى قال { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } والمؤمن إذا ابتلي بالمعصية فإن شهوته وغفلته تحمله على ذلك ، لا لحبه للمعصية ثم قال ، أي ذلك التحبيب والتبغيض { فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } يعني : كان الإيمان الذي حببه إليكم ، والكفر الذي بغضه إليكم كان فضلاً من الله ونعمة يعني رحمة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بخلقه { حَكِيمٌ } في أمره وقضائه .