Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-14)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِي إِسْرٰءِيلَ } يعني في التوراة من الإيمان بالله تعالى وبأنبيائه ، وأن يعملوا بما في التوراة ، ثم قال : { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } قال مقاتل : يعني شهداء على قومهم بعث الله تعالى من كل سِبْطٍ منهم رجلاً ، ليأخذ كل رجل منهم على سبطه الميثاق ، يكونوا شهداء على قومهم . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } قال : من كل سبط من بني إسرائيل رجلاً ، أرسلهم موسى - عليه السلام - إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كُمِّ أحدهم اثنان منهم ، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة منهم في خشبة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبة منه خمسة أنفس أو أربعة ، فرجع النقباء كلهم ينهون سبطهم عن القتال إلا يوشع بن نون ، وكالب بن يافت ويقال : كالوب بن يوقنا ، أمرا قومهما بالقتال . وقال القتبي : النقيب ، الكفيل على القوم ، والنقابة والنكابة شبه العرافة ، ويقال : نقيباً ، يعني أميناً ، وقال ابن عباس : نقيباً يعني ملكاً ، حين بعثهم موسى إلى بيت المقدس ، جعل موسى - عليه السلام - عليهم اثني عشر ملكاً ، على كل سبط منهم ملك . { وَقَالَ ٱللَّهُ } تعالى للنقباء { إِنِّي مَعَكُمْ } ، ويقال : قال الله لبني إسرائيل حين أخذ عليهم الميثاق في التوراة { إِنِّي مَعَكُمْ } أي معينكم وحافظكم ، وناصركم { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلـٰوةَ } يعني : ما دمتم أقمتم الصَّلاَةَ { وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } يعني صدقتم برسلي { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } يعني أعنتموهم . وقال القتبي : أي عظمتموهم ، والتعزيز التعظيم . وقال السدي : يعني نصرتموهم بالسيف . وقال الأخفش : يعني وقَّرْتموهم وقَوَّيتموهم . وقال الضحاك : شرفتموهم بالنبوة كما شرفهم الله تعالى . ويقال : آمنتم برسلي : أي أمرتم قومكم حتى يؤمنوا برسلي ، ونصرتموهم { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } . أي تأمرون قومكم بذلك ثم بين جزاءهم وثوابهم إن فعلوا ذلك فقال : { لأُكَفِّرَنَّ } أي لأمحون { عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } يعني ذنوبكم { وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } ثم قال { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } العهد والميثاق { مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ ٱلسَّبِيلِ } يعني أخطأ قصد الطريق . ثم قال عز وجل : { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } يعني لما أخذ عليهم الميثاق ، نقضوا الميثاق فبنقضهم ميثاقهم { لَعنَّـٰهُمْ } أي لعنهم الله ، يعني طردهم من رحمته ويقال : { لَعنَّـٰهُمْ } يعني عذبناهم بالمسخ ، ويقال : بالجزية ، ثم قال : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } يعني يابسة ، ويقال : خالية عن حلاوة الإيمان . قرأ حمزة والكسائي ( قسية ) بغير ألف ، وقرأ الباقون ( قاسية ) ومعناهما واحد . ويقال : قست فهي قاسية وقسية ثم قال : { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ } والكلم جمع كلمة ، يعني يغيرون صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - { عَن مَّوٰضِعِهِ } ، يعني في كتابهم مما وافق القرآن ، يعني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم ، ويقال : استحلوا ما حرم الله تعالى عليهم ، ولم يعملوا به فكان ذلك تغيير الكلم عن مواضعه . ثم قال : { وَنَسُواْ حَظّاً } يعني : تركوا نصيباً { مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } يعني : مما أمروا به في كتابهم { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ } يعني لا يزال يظهر لك منهم الخيانة ونقض العهد . وقال القتبي : عن أبي عبيدة : إن العرب تضع لفظ الفاعل في موضع المصدر كقولهم للخوان : مائدة ، وإنما يميد بهم ما في الخوان فيجوز أن يكون الهاء صفة للخائن كما يقال : رجل طاغية ، ورواية للحديث ، ثم قال : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } يعني : مؤمنيهم لم ينقضوا العهد { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } يعني اتركهم ولا تعاقبهم { وَٱصْفَحْ } عنهم يعني أعرض عنهم { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } الذين يعفون عن الناس وهذا قبل الأمر بقتال أهل الكتابين قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ } وذلك أن الله تعالى لما ذكر حال اليهود ، ونقضهم الميثاق فقال على أثر ذلك ، إن النصارى لم يكونوا أحسن معاملة من اليهود ثم بين معاملتهم فقال : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ : إِنَّا نَصَـٰرَىٰ } { أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ } في الإنجيل بأن يتبعوا قول محمد - صلى الله عليه وسلم - { فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } يعني تركوا نصيباً مما أمروا به في الإنجيل من اتباع قول محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقال : نقضوا العهد كما نقض اليهود ، ويقال : إنما سموا أنفسهم النصارى لأنهم نزلوا قرية يقال لها « ناصرة » نزل فيها عيسى - عليه السلام - فنزلوا هناك ، وتواثقوا بينهم ، ويقال : إنما سموا النصارى لقول عيسى : { مَنْ أَنصَارِىۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] . قال الحواريون نحن أنصار الله ثم قال : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ } يعني ألقينا بينهم العداوة { وَٱلْبَغْضَاءَ } ويقال : الإغراء في أصل اللغة : الإلصاق ، يقال : أغريت الرجل إغراءاً إذا ألصقت به . ويقال : إن أصل العداوة التي كانت بينهم ألقاها إنسان يقال له « بولس » كان بينه وبين النصارى قتال وكان يهودياً فقتل منهم خلقاً كثيراً ، فأراد أن يحتال بحيلة يلقي بينهم القتال ، ليقتل بعضهم بعضاً ، فجاء إلى النصارى وجعل نفسه أعور ، وقال لهم : أتعرفوني ؟ فقالوا أنت الذي قتلت منا ، وفعلت ما فعلت ، فقال : قد فعلت ذلك كله وأنا تائب لأني رأيت عيسى بن مريم في المنام ، نزل من السماء ، فلطم وجهي لطمة وفقأ عيني ، فقال : أي شيء تريد من قومي ؟ ، فتبت على يده ، وإنما جئتكم لأكون بين ظهرانيكم وأعلمكم شرائع دينكم كما علمني عيسى في المنام ، فاتخذوا له غرفة فصعد تلك الغرفة وفتح كوة إلى الناس في الحائط ، وكان يتعبد في الغرفة ، وربما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة ، وربما يأمرهم حتى يجتمعوا ، ويناديهم من تلك الكوة ، ويقول لهم بقول ، كان في الظاهر منكراً ، وينكرون عليه ، فكان يفسر ذلك القول بتفسير يعجبهم ذلك فانقادوا كلهم له ، وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به ، فقال لهم يوماً من الأيام : اجتمعوا قد حضرني علم ، فاجتمعوا ، فقال لهم : أليس قد خلق الله تعالى هذه الأشياء في الدنيا كلها لمنفعة بني آدم ؟ قالوا : نعم ، فقال لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء ؟ يعني الخمر والخنزير ، وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، فأخذوا بقوله واستحلوا الخمر والخنزير ، فلما مضى على ذلك أيام ، دعاهم ، وقال : حضرني علم فاجتمعوا ، وقال لهم : من أي ناحية تطلع الشمس ؟ فقالوا : من قبل المشرق ، فقال : ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم ؟ فقالوا : من قبل المشرق . فقال : ومن يرسلهم من قبل المشرق ؟ قالوا : الله تعالى ، فقال : فاعلموا أنه من قبل المشرق ، فإن صليتم له فصلوا إليه ، فحول صلاتهم إلى المشرق ، فلما مضى على ذلك أيام ، دعا طائفةً منهم ، وأمرهم بأن يدخلوا عليه في الغرفة ، وقال لهم : إني أريد أن أجعل نفسي الليلة قرباناً لأجل عيسى ، وقد حضرني علم وأريد أن أخبركم في السر لتحفظوا عني وتدعوا الناس إلى ذلك ، ويقال أيضاً : إنه أصبح يوماً وفتح عينه الأخرى ، ثم دعاهم وقال لهم جاءني عيسى الليلة ، وقال : قد رضيت عنك ، فمسح يده على عيني فبرئت ، فالآن أريد أن أجعل نفسي قرباناً ، ثم قال لهم هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص إلا الله تعالى ؟ فقالوا : لا ، فقال إن عيسى قد فعل هذه الأشياء فاعلموا بأنه هو الله ، فخرجوا من عنده ، ثم دعا طائفة أخرى فأخبرهم بذلك أيضاً وقال : إنه كان ابنه ، ثم دعا بطائفة ثالثة وأخبرهم بأنه ثالث ثلاثة ، وأخبرهم بأنه يريد أن يجعل نفسه الليلة قرباناً فلما كان في بعض الليل خرج من بين ظهرانيهم ، فأصبحوا وجعلوا كل فريق منهم يقول : قد علمني كذا وكذا ، وقال الفريق الآخر : انت كاذب بل علمني كذا وكذا ، فوقع بينهم القتال فاقتتلوا ، وقتلوا خلقاً كثيراً وبقيت العداوة بينهم { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } وهم ثلاث فرق : فرقة بينهم النسطورية قالوا : المسيح ابن الله ، وصنف منهم يقال لهم : الماريعقوبية ، قالوا : إن الله هو المسيح ، وصنف يقال لهم : الملكانية ، قالوا : إن الله ثالث ثلاثة ، المسيح وأمه والله ، فأغرى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ويقال : ألقى بينهم العداوة بالجدال والخصومات في الدين ، وذلك يحبط الأعمال وقال معاوية بن قرة : إياكم وهذه الخصومات في الدين ، فإنها تحبط الأعمال . ثم قال : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } يعني ينبئهم في الآخرة الذي هو على الحق .