Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-11)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلـٰوةِ } يعني إذا أردتم أن تقوموا إلى الصلاة وأنتم محدثون ، ويقال : إذا قمتم من نومكم إلى الصلاة { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } يعني مع المرافق { وَٱمْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } يعني مع الكعبين . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وحمزة ، وعاصم ، وفي رواية أبي بكر ( وأرجلكم ) بكسر اللام ، وقرأ الباقون : بالنصب ، فمن قرأ بالنصب فإنه جعله نصباً لوقوع الفعل عليه ، وهو الغسل ، يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين ، ومن قرأ بالكسر ، جعله كسراً لدخول [ حرف الخفض ] وهو الباء ، فكأنه قال : وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، يعني ، إذا كان عليه خفان وقد ثبت ذلك بالسنة ، ويقال : صار كسراً بالمجاورة ، كما قال في آية أخرى { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] قرأ بعضهم بالكسر بالمجاورة . فهذه الأربعة التي ذكرت في الآية من فرائض الوضوء ، وما سوى ذلك آداب وسنن فإن قيل : الآية إذا قرئت بقرائتين ، فالله تعالى قال بهما جميعاً ، أو بإحداهما ؟ . قيل له : هذا على وجهين : إن كان لكل قراءة معنى غير المعنى الآخر ، فالله تعالى قال بهما جميعاً ، وصارت القراءتان بمنزلة الآيتين ، وإن كانت القراءتان معناهما واحد فالله تعالى قال لأحدهما ، ولكنه رخص بأن يقرأ بهما جميعاً . ثم قال تعالى : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } قد يوصف الجمع بصفة الواحد ، كقوله : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } وكقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ } قوله : { فَٱطَّهَّرُواْ } معناه ، فتطهروا إلا أن التاء أدغمت في الطاء لأنهما من مكان واحد ، فإذا أدغمت فيها ، سكن أول الكلمة ، وزيدت ألف الوصل للابتداء . ثم قال : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } يعني من الصعيد ، ثم قال : { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } يقول : لا يكلفكم في دينكم من ضيق { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ } يعني : يطهركم من الأحداث والجنابة { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } بما أنعم من الرخص { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لكي تشكروا الله لما رخص لكم ، ولم يضيق عليكم . قوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يقول : احفظوا منن الله عليكم بإقراركم بوحدانية الله تعالى ، { وَمِيثَـٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ } يعني يوم الميثاق ، حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام ، وقال : { … أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُواْ : بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] هكذا قال في رواية الكلبي ، ومقاتل ، والضحاك . وقال بعضهم : هو الميثاق الجبلة والإدراك ، فكل من أدرك فقد أخذ عليه الميثاق ، وشهدت له خلقته وجبلته ، فصار ذلك كالإقرار منه ثم قال : { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } يوم الميثاق ، قلتم سمعنا قولك يا ربنا وأطعنا أمرك ، ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في نقض العهد والميثاق { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعني : عالم بسرائركم . ثم قال : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ } يعني قوالين بالحق ، ثم قال : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَن لاَ تَعْدِلُواْ } وذلك أن الله تعالى لما فتح على المسلمين مكة ، أمر الله المسلمين أن لا يكافئوهم بما سلف ، وأن يعدلوا في القول والحكم والنصفة ، وذلك قوله : { ٱعْدِلُواْ } يعني قولوا الحق والعدل { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } يعني فإنه أقرب للطاعة ، ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يقول واخشوا الله بما أمركم به ، { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الطاعة وغيره . ثم بين ثواب من عمل بطاعته فقال : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } يعني الطاعات { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } يعني ثواب عظيم في الجنة ، ويقال : إن أهل مكة قالوا ، بعدما أسلموا ما لنا في الآخرة وقد أخرجناك وأصحابك ، فقالوا : وعد الله الذين آمنوا بالله وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعملوا الصالحات بعد الإسلام ، لهم مغفرة لما فعلوا في حال الشرك ، وأجر عظيم في الآخرة . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } يعني جحدوا وكذبوا ، بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ، وماتوا على ذلك ، { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } يعني مقيمين فيها أبداً . وقوله تعالى : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة - وصالح بني قريظة ، وبني النضير وهما قبيلتان بقرب المدينة ، وأخذ منهم الميثاق بأن لا يكون بينهم القتال ، وأن يتعاونوا فيما بينهم على الديات ، فدخل مستأمنان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجا من عنده فقتلهما « عمرو بن أمية الضمري » ، ولم يعلم بأنهما مستأمنان ، فوداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية حُرَّين مسلمين فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بكر وعمر وعلي إلى بني النضير ليستعين بهم في ديتهما ، فقالوا : مرحباً حتى نستأذن إخواننا من بني قريظة . وقال في رواية الكلبي خرج إلى بني قريظة ، فقالوا : حتى نستأذن إخواننا من بني النضير ، وأدخلوهم داراً وأجلسوهم في صفّة ، وجعلوا يجمعون السلاح ، وهموا بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وكانوا ينتظرون كعب بن الأشرف ، وكان غائباً ، فنزل جبريل وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقصة وخرج ، فلما أبطأ الرجوع قام أبو بكر فخرج ، ثم خرج عمر ثم خرج علي رضي الله عنهم ، فنزلت هذه الآية { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } يقول : أرادوا وتمنوا أن يمدوا أيديهم إليكم بالقتل ، { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } بالمنع . قال الفقيه أبو الليث : حدثنا أبو جعفر ، قال : حدثنا علي بن أحمد ، قال : حدثنا نصير بن يحيى ، قال : حدثنا أبو سليمان ، عن محمد بن الحسن عن محمد بن عبد الله عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى بني النضير ليستعين بهم في دية الكافرَيْن اللذيْن قتلهما « عمرو بن أمية الضمري » ، فهم بنو النضير بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فسار إليهم فحاصرهم وأمر بقطع النخيل وحاصرهم حتى قالوا : أتؤمننا على دمائنا وذرارينا ، وعلى ما حملت الإبل إلا الحلقة ، يعني السلاح ، قال : نعم ، ففتحوا الحصون وأجلاهم إلى الشام ، فهذا الخبر موافق رواية مقاتل ، أنه خرج إلى بني النضير . وقال الضحاك : كان سبب نزول هذه الآية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات ليلة إلى البقيع ، إلى قبور الشهداء وحده فأتاه رجل من اليهود شديد محارب ، فقال : إن كنت نبياً كما تزعم فأعطني سيفك هذا ، فإن الأنبياء لا يبخلون ، فأعطاه سيفه ، فشهر اليهودي السيف وهزه ليضربه به ، فلم يجترىء للرعب الذي قذفه الله تعالى في قلبه ثم رد عليه السيف ، فنزل : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . ففي الآية مضمر ، فكأنه قال : فاتقوا الله ، وتوكلوا على الله ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، يعني على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويثقوا بالنصر لهم .