Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 18-19)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَى : نَحْنُ أبْنَاءُ ٱللهِ وأَحِبَّاؤُهُ } يعني نحن من الله تعالى بمنزلة الأبناء من الآباء ، في المنزلة والكرامة ، والوالد إذا سخط على ولده في وقت ، يرضى عنه في وقت آخر . ويقال : معناه نحن أبناء الله وأحباؤه . قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } يعني يحرقكم ، لأنهم كانوا مقرين بأنه يحرقهم أربعين يوماً ، أياماً معدودة ، قل لهم فهل رأيتم والداً يحرق ولده ، أو يحرق مُحِبَّه ، ففي الآية دليل : أن الله تعالى إذا أحب عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه ، لأنه احتج عليهم فقال : { فَلِمَ يُعَذِّبُكُم } إن كنتم أحباء الله تعالى وقال في آية أخرى { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] ، ففيه دليل على أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم ، ولا المجاهدين الذين يجاهدون لقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } [ الصف : 4 ] ثم قال { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } يعني أنتم لستم بأبناء الله ، ولا أحبائه ، ولكن أنتم خلق كسائر خلق الله تعالى ، ثم قال : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } أي يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } فيهينه ويتركه على الكفر { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني إليه المرجع ، فيجزيهم بأعمالهم . قوله تعالى : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني يا أهل التوراة والإنجيل ، وإنما أضافهم إلى الكتاب - والله أعلم - على وجه التعبير ، يعني أنتم أهل الكتاب فلم لا تعملون بكتابكم ؟ كقوله : يا عاقل ، لم لا تفعل كذا وكذا ، وإنما تذكر العقل على معنى التعيير ، أي إنك لا تعمل عمل العقلاء ثم قال : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - { يُبَيِّنُ لَكُمْ } الدين والأحكام والشرائع { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } يعني بعد انقطاع من الرسل والوحي ، وقال مقاتل : في الآية تقديم وتأخير ، معناه قد جاءكم رسولنا على فترة من الرسل ، يبين لكم ، وإنما سمي فترة لأن الدين يفتر ويندرس عند انقطاع الرسل ، يعني بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - وقال قتادة : كان بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - خمسمائة وستون سنة . وقال الكلبي : خمسمائة وأربعون سنة وقال الضحاك ومقاتل : كان بينهما ستمائة سنة . وقال وهب : كان بينهما ستمائة وعشرون سنة . ثم قال : { أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } يعني لكي لا تقولوا ما جاءنا من رسول بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا { فَقَدْ جَاءكُمُ } محمد - صلى الله عليه وسلم - { بَشِيرٌ } بالجنة { وَنَذِيرٌ } من النار { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من المغفرة والعذاب وبعث الرسل .