Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 20-26)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ : يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يعني احفظوا منة الله عليكم ، ونعمته ، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ } قال في رواية الكلبي : يعني السبعين ، سوى موسى وهارون عليهما السلام وهم الذين اختارهم موسى فانطلقوا معه إلى الجبل . ويقال : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء } يعني في بني إسرائيل ، فكان فيهم أربعة آلاف نبي - عليهم السلام - ثم قال : { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } يعني بعد العبودية لفرعون . قال ابن عباس : إن الرجل إذا لم يدخل عليه أحد في بيته إلا بإذنه فهو ملك . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال : { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } أي جعل لكم أزواجاً وخدماً وبيوتاً وبنين ويقال : من استغنى عن غيره فهو ملك . وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أصبح آمناً في سربه ، معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حِيزَتْ له الدنيا " ثم قال : { وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } يعني أعطاكم ما لم يعط أحداً من الخلق ، وهو المن والسلوى ، والغمام ، وغير ذلك ثم قال عز وجل : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } [ يعني المطهرة ، والمقدسة ] في اللغة : هو المكان الذي يتطهر فيه ، فتأويله البيت الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب ، ثم قال : { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي أمركم الله أن تدخلوها ويقال : التي وعد لإبراهيم أن يكون ذلك له ولذريته وذلك أن الله وعد لإبراهيم أن يكون له مقدار ما يمد بصره ( فصار ذلك ميراثاً منه حين خرج إبراهيم - عليه السلام - فقال له جبريل : انظر يا إبراهيم ، فنظر فقال : يعطي الله تعالى لك ولذريتك مقدار مد بصرك من الملك ) وهي أرض فلسطين وأردن وما حولهما . فقال موسى لقومه : { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي جعل لأبيكم إبراهيم - عليه السلام - ولكم ميراث منه . وقال القتبي : أصل الكتاب ، ما كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ ، ثم يتفرع منه المعاني ، ويقال كتب ، يعني ، قضى كما قال : { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] ويقال : كتب أي فرض ، كما قال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ } أي فرض ويقال : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } أي جعل كما قال : { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } [ المائدة : 83 وغيرها ] ويقال : كتب أي أمر كما قال { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني أمر الله لكم بدخولها . قال : ويقال كتب ها هنا بمعنى جعل . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ } يعني لا ترجعوا عما أمرتم به من الدخول { فَتَنقَلِبُواْ } أي فتصيروا { خَـٰسِرِينَ } بفوات الدرجات ووجوب الدركات أي مغبونين في العقوبة . فبعث موسى - عليه السلام - اثني عشر رجلاً ، من كل سبط رجلاً يأتيهم بخبر الجبارين ، فلما أتوهم لقيهم بعض أصحاب تلك المدينة جاءوا وأخذوا أصحاب موسى ، فجعل كل رجل ، رجلين من أصحاب موسى - عليه السلام - في كمه حتى جاءوا بهم إلى الملك ، ويقال : لقيهم رجل واحد اسمه « عوج » ، فاحتملهم في ثوبه ، وأتى بهم حتى ألقاهم بين يدي الملك ؛ فنظر إليهم ، وقال هؤلاء يريدون أن يأخذوا مدينتنا ، فأراد قتلهم ، فقالت امرأته ( ايش تصنع بقتل هؤلاء الضعفاء ) ؟ ويكفيهم ما رأوا من أمر القوم وأمر هذه البلدة ، فأَنْعِم عليهم ، ودعهم حتى يرجعوا ويذهبوا إلى موسى وقومه بالخبر ، فأرسلهم الملك ، وأعطاهم عنقوداً من العنب فحملوه على عمودين فرجعوا إلى موسى - عليه السلام - وقالوا : فيما بينهم لا تخبروا قوم موسى بهذا الخبر ، فإنهم يجبنون عن القتال ، والله تعالى قد وعد لموسى ، بأن يفتح عليهم هذه البلدة ، ولا تخبروا أحداً سوى موسى . فلما رجعوا أخبروا بخبرهم إلا اثنين منهم وهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا ، فلما أمر موسى قومه بدخول البلدة . { قَالُواْ يَا مُوسَىٰ إِنِ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } قال مقاتل : يعني طول كل رجل منهم ستة أذرع ونصف . وقال الكلبي : طول كل رجل منهم ثمانون ذراعاً . وقال الزجاج : الجبار من الآدميين العاتي ، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد . ثم قال تعالى : { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } يعني من تلك البلدة ، وهي الأرض المقدسة ، واسمها إيلياء ، ويقال : مدينة أخرى يقال لها أريحا . { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دٰخِلُونَ } { قَالَ رَجُلاَنِ } يعني يوشع بن نون ، وكالب { مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ } الله تعالى : { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالإسلام ، ويقال : من الذين يخافون الجبارين ، { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } فلم يخافا وصدقا في مقالتهما { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ } وهي أريحا أو إيلياء { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَـٰلِبُونَ } يعني أن القوم إذا أرادوا كثرتكم ، انكسرت قلوبهم وانقطعت ظهورهم ، فتكونوا غالبين ، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ } يعني فثقوا بأنه ناصركم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يعني مصدقين بوعد الله تعالى فقال لهم موسى : ادخلوا عليهم { قَالُواْ يَا مُوسَىٰ } أتصدق اثنين ، وتكذب العشرة { إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا ، فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } يعني قل لربك أن ينصرك عليهم كما نصرك على فرعون . وقال أبو عبيدة : يعني اذهب فقاتل ، وليقاتل معك ربك ، وليتم أمرك كما أتم قبل ذلك ، فهو يعينك فإنا لا نستطيع قتال الجبابرة . ويقال : اذهب أنت وربك ، يعني أنت وسيدك هارون ، لأن هارون كان أكبر منه بسنتين أو بثلاث سنين { فَقَاتِلا ، إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ } فغضب موسى - عليه السلام - من قولهم : { قَالَ : رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } هارون وقال الزجاج : لا أملك إلا نفسي وأخي ، يحتمل [ معنيين ، أحدهما : لا أملك إلا نفسي ] ، وأخي لا يملك إلا نفسه . ويحتمل : لا أملك إلا نفسي وأخي لأن أخاه كان مطيعاً له ، فهو يملك طاعته . ثم قال : { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } يعني : أقضِ بيننا وبين القوم العاصين . ثم { قَالَ } الله تعالى : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } يعني الأرض المقدسة دخولها محرم عليهم { أَرْبَعِينَ سَنَةً } ثم قال : { يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ضلالاً ، يعني يتحيرون فيها ، ولا يعرفون وجه الخروج منها ضلالاً في التيه . ويقال : فإنها محرمة عليهم ، وتم الكلام ، ثم قال : أربعين سنة يتيهون في الأرض فعمي عليهم السبيل ، فحبسهم بالنهار وسيّرهم بالليل يسهرون ليلتهم ، ويصبحون حيث أمسوا ، وكان التيه بين فلسطين وايلة ست فراسخ في اثني عشر فرسخاً ، فمكثوا فيها أربعين سنة لم يقدروا على الخروج منها . قال بعضهم : لم يكن موسى وهارون عليهما السلام في التيه ، لأن الأنبياء لا يعذبون ، وقال بعضهم : كانا فيه ، وسهل الله تعالى عليهما ، كما سهل على إبراهيم - عليه السلام - النار وجعلها برداً وسلاماً . ويقال : إن موسى وهارون قد ماتا في التيه ، وهلكت تلك العصابة ولم يبق منهم إلا يوشع وكالب ، فخرج يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها عند غروب الشمس . وذكر في الخبر أن يوشع دعا بأن ترد الشمس فردت ثلاث ساعات حتى فتحوا البلدة ، فاختلفت النجوم عن مجاريها من ذلك اليوم . فخفي على المنجمين ، فلما بقوا في التيه ندم موسى على دعائه . فأوحى الله تعالى إليه : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } يعني لا تحزن على قوم سميتهم فاسقين . وقال بعضهم : هذا الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا تحزن على قومك إن لم يؤمنوا . ويقال : { أَرْبَعِينَ سَنَةً } صار نصباً بمعنى يتيهون ، لأن في التفسير إن دخلوها لم يكن محرم عليهم أبداً ( كذا قاله ابن عباس - رضي الله عنه - وإنما دخلها أولادهم . وقال قوم : حرمت أربعين سنة فكانوا يتيهون أربعين سنة ، وفتحوا .