Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-5)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } نزلت الآية في شأن « عدي بن حاتم الطائي » ، قال : قلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا قوم نتصيَّد بهذه الكلاب والبزاة ، فما يحل لنا منها ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما علّمت من كلب أو بازيٍّ ، ثم أرسلتَه ، وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أَمْسَكَ عليك ، فقلت : وإن قتله ، قال : إن قتله ولم يأكل منه شيئاً ، فكل فإنما أمسك عليك ، وإن أكل منه شيئاً فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه قال : قلت : فإذا خالط كلابنا كلابٌ أخرى حين ترسلها ؟ قال : لا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك عليك " ، ونزلت هذه الآية : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } يعني ماذا رخص لهم من الصيد [ ويقال لما أنزل قوله تعالى { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ } قالوا : إن الله تعالى حرم هذه الأشياء فأي شيء لنا حلال يا رسول الله ] { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } يعني رخص لكم الحلالات من الذبائح [ { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } يعني وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح من الطير والكلاب الكواسب ، ويقال : الجوارح الجارحات . ثم قال : { مُكَلِّبِينَ } بكسر اللام ، وقرأ بعضهم بالنصب ، فمن قرأ بالكسر يعني به أصحاب الكلاب ، المعلِّمين للكلاب ومن قرأ بالنصب ، أراد به الكلاب ، يعني الكلاب المعلَّمة ، ( مكلبين ) يعني معلمين ثم قال : { تُعَلّمُونَهُنَّ } يعني تؤدبونهن في طلب الصيد { مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } يقول : كما أدبكم الله تعالى ، وروي عن مجاهد أنه سئل عن الصقر والبازي والفهد ، قال : هذه كلها جوارح ، ولا بأس بصيده إذا كان معلماً . ثم قال : { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يعني : حبسن عليكم { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } إذا أرسلتم الكلاب على الصيد . وفي هذه الآية دليل : أن الكلب إذا كان أَكَل لا يؤكل ، لأنه أمسك لنفسه ، وفيها دليل : أنه لا يجوز إلا بالتسمية ، لأنه قد أباح على شرط التسمية ، وعلى شرط أن يمسك لصاحبه ، وفيها دليل أيضاً أن الكلب إذا كان غير معلَّم لا يجوز أكلُ صيده ، وفيها دليل أيضاً أن العالِم له من الفضيلة ما ليس للجاهل ، لأن الكلب إذا عُلِّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب ، وأن الإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس ، وهذا كما روي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال : لكل شيء قيمة ، وقيمة المرء ما يُحْسِن . ثم خَوّفهم فقال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي اخشوا الله ولا تأكلوا الميتة ، ولا تأكلوا ما لم يذكر اسم الله عليه ، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يعني سريع المجازاة ، وقوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ } يعني المذبوحات من الحلال يعني اليوم أظهر وبين حله ، ثم قال : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني ذباح أهل الكتاب { حِلٌّ لَكُمْ } يعني حلال لكم أكله { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } يعني ذبائحكم وطعامكم رخص لهم أكله . وقال الزجاج : تأويله أحل لكم أن تطعموهم ، لأن الحلال والفرائض إنما تعتمد على أهل الشريعة . ثم قال : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يعني أحل لكم تزوج العفائف من المؤمنات { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني العفائف من أهل الكتاب { مِن قَبْلِكُمْ } يعني أُعْطوا الكتاب من قبل كتابكم وهو التوراة والإنجيل ، واختلفوا في نكاح الصابية ، وقد ذكرناه في سورة البقرة ثم قال : { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعني أعطيتموهن مهورهن { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } يقول : كونوا متعففين عن الزنا { وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } يقول : لا تتخذوا خِدْناً فتزنوا بها سراً ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يعيِّرون من يزني [ في العلانية ولا يعيرون من يزني ] سراً فحرم الله زنا السر والعلانية ، فلما نزلت هذه الآية قلن - نساء أهل الكتاب - لولا أن الله تعالى قد رضي بديننا ، لم يبح للمسلمين نكاحنا ، فنزل { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [ وقيل لنا نزل قوله حرمت عليكم الميتة ثم رخص من حالة الاضطرار فقال بعضهم لا نأخذ الرخصة من الاضطرار فنزل { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ } ] . ويقال : هذا ابتداء خطاب وهو لجميع المسلمين فقال : { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ } قال ابن عباس : يعني من يكفر بالتوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله فقد حبط عمله . وقال مجاهد : معناه : ومن يكفر بالإيمان ، فقد حبط عمله ، يعني بطل ثواب عمله { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين في العقوبة . ولهذا قال أصحابنا رحمهم الله : إن الرجل إذا صلى ، ثم ارتد ، ثم أسلم في وقت تلك الصلاة ، وجب عليه إعادة تلك الصلاة ، ولو كان حج حجة الإسلام ، فعليه أن يعيد الحج ، لأنه قد بطل ما فعل قبل ارتداده .