Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-30)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } يقول خلقنا لكم الثياب { يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ } يعني يستر عوراتكم ، ويقال معناه أنزلنا عليكم المطر ينبت لكم القطن والكتَّان لباساً لكم { وَرِيشًا } قرأ الحسن البصري ورياشاً بالألف . وقرأ غيره وريشاً بغير ألف . وقال القتبي : الريش والرياش ما ظهر من اللباس ، وريش الطائر ما ستره الله به ، ويقال الرياش المال والمعاش . قال الفقيه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر . حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي أمامة عن عوف بن أبي جميلة عن معبد الجهني في قوله { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } قال هو ما تلبسون . ورياشاً قال المعاش { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } هو الحياء { ذٰلِكَ خَيْرٌ } أي : لباس التقوى ، وهو الحياء خير من الثياب ، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول : @ إني كأني أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عرياناً @@ وقال القتبي : لباس التقوى أي ما ظهر عليه من السكينة والوقار . والعمل الصالح كما قال : { لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ } [ النحل : 112 ] أي ما ظهر عليهم من سوء آثارهم وتغير حالهم . ويقال لباس التقوى الإيمان ويقال العفة . قرأ نافع والكسائي وابن عامر لِبَاسَ التقوى بالنصب يعني أنزل لباس التقوى ومعناه ستر العورة وقرأ الباقون بالضم ( لِبَاسُ ) على معنى الابتداء ، ويقال فيه مضموم يعني هو لباسُ التقوى . ومعناه ستر العورة ، أي : لباسُ المتقين . وقرأ عبد الله بن مسعود ولباس التقوى خير . وقال مجاهد كان أناس من العرب يطوفون حول البيت عراة فنزل قوله تعالى : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا } يعني من المال ويقال معنى قوله { ذٰلِكَ خَيْرٌ } يعني اللباس خير من تركه ، لأنهم كانوا يطوفون عراة قوله { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي : من نعم الله على الناس ، ويقال من عجائب الله ودلائله { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : يتعظون . قوله عز وجل : { يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } يقول لا يضلنكم الشيطان عن طاعتي فيمنعكم من الجنة { كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ } حين تركا طاعتي وعصيا أمري { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا } يعني لا يفتننكم الشيطان عن دينكم في أمر الثياب فينزعها عنكم فتبدو عوراتكم كما فعل بأبويكم ، نزع عنهما لباسهما وأظهر عورتهما . وقال بعض الحكماء : إن المعصية شؤم تضر بصاحبها فتجعله عرياناً كما فعلت بآدم . { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } يعني كونوا بالحذار منه ، فإنه يراكم ، هو أي : إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم ، يعني كونوا على حذر لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم ، وذكر أن إبليس لما لعن قال رب إنّك باعث إلى بني آدم رسلاً وكتباً . فما رسلي ؟ قال الكهنة . قال فما كتابي ؟ قال الوشم قال فما قراءتي ؟ قال الشعر . قال فما مسجدي ؟ قال السوق قال فما مؤذني ؟ قال المزامير . قال فما بيتي ؟ قال الحمام . قال فما مصائدي ؟ قال النساء . قال فما طعامي ؟ قال كل ما لم يذكر اسم الله عليه - قال فما شرابي ؟ قال كل سكر . قوله عز وجل : { إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاءَ } ( يعني قرناء ) { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أي : لا يصدقون بالآخرة { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } يعني المشركين حرموا على أنفسهم أشياء قد أحل الله لهم ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة قالوا لا نطوف في ثياب قد أذنبنا فيها ، وكان رجالهم يطوفون بالنهار ونساؤهم بالليل . وإذا طافت المرأة بالنهار اتخذت إزاراً من سير ، وكانت تبدو عورتها إذا مشت . وكانت تقول : @ اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله @@ وإذا قيل لهم لم فعلتم هكذا { قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } يعني بتحريم هذه الأشياء وبالطواف عراة . قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } أي : المعاصي { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي : أتكذبون على الله وتقولون بغير علم . ثم بين لهم ما أمرهم الله تعالى به فقال عز وجل : { قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل والصواب وكلمة التوحيد . وهي شهادة ألاّ إله إلاّ الله { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } أي : قل أمر ربي بالقسط وقل أقيموا وجوهكم { عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } أي : حولوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلاة . وقال الكلبي : يعني إذا حضرت الصلاة وأنتم في مسجد فصلوا فيه ، فلا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي ، وإذا لم يكن في مسجد فليأت أي مسجد شاء ، قال مقاتل : يعني حولوا ولوا وجوهكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } يقول وحدوه واعبدوه بالإخلاص . ويقال إنّ أهل الجاهلية كانوا يشركون في تلبيتهم ويقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك . فأمرهم الله أن يوحدوه في التلبية مخلصين له الدين ثم قال { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } أي ليس كما تشركون فاحتج عليهم بالبعث متصلاً بقوله { فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } كما بدأكم تعودون أي : ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم . وقال الحسن : كما خلقكم ولم تكونوا شيئاً ، فأحياكم كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة ويقال : كما بدأكم يوم الميثاق من التصديق والتكذيب تعودون إلى ذلك ، حيث قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي . ويقال . كما بدأكم فخلقكم من التراب تعودون تراباً بعد الموت . وقال ابن عباس كما بدأكم مؤمناً وكافراً وشقياً وسعيداً . كذلك تموتون عليه وتبعثون عليه . ثم قال { فَرِيقًا هَدَىٰ } وهم المؤمنون فعلم الله تعالى منهم الطاعة ويكرمهم بالمعرفة { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } أي : وجب عليهم الضلالة فخذلهم ولم يكرمهم بالتوحيد حيث علم منهم المعصية والكفر { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ } يعني لأنهم اتخذوا الشياطين { أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني اتخذوهم أولياء وأطاعوهم بالمعصية { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } أي : يظنون أنهم على الهدى . قال الزجاج : فيه دليل أن من لا يعلم أنه كافر وهو كافر يكون كافراً . لأن بعضهم قال لا يكون كافراً وهو لا يعلم . وذلك القول باطل لأن الله تعالى قال : { ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] وقال ويحسبون أنهم مهتدون .