Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 53-55)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وما أبرىء نفسي } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه قول العزيز أي وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف . { إنَّ النفس لأمارة بالسوء } يحتمل وجهين : أحدهما : الأمارة بسوء الظن . الثاني : بالاتهام عند الارتياب . { إلا ما رحم ربي } يحتمل وجهين : أحدهما : إلاَّ ما رحم ربي إن كفاه سوء الظن . الثاني : أن يثنيه حتى لا يعمل . فهذا تأويل من زعم أنه قول العزيز . الوجه الثاني : أنه قول امرأة العزيز وما أبرىء نفسي إن كنت راودت يوسف عن نفسه لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة عليها . { إلا ما رحم ربي } يحتمل وجهين : أحدهما : إلا ما رحم ربي من نزع شهوته منه . الثاني : إلا ما رحم ربي في قهره لشهوة نفسه ، فهذا تأويل من زعم أنه من قول امرأة العزيز . الوجه الثاني : أنه من قول يوسف ، واختلف قائلو هذا في سببه على أربعة أقاويل : أحدها : أن يوسف لما قال { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } قالت امرأة العزيز : ولا حين حللت السراويل ؟ فقال : وما أبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء ، قاله السدي . الثاني : أن يوسف لما قال ذلك غمزه جبريل عليه السلام فقال : ولا حين هممت ؟ فقال { وما أُبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء } قاله ابن عباس . الثالث : أن الملك الذي مع يوسف قال له : اذكر ما هممت به ، فقال : { وما أبرىء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء } قاله قتادة . الرابع : أن يوسف لما قال { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال { وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } قاله الحسن . ويحتمل قوله { لأمارة بالسوء } وجهين : أحدهما : يعني أنها مائلة إلى الهوى بالأمر بالسوء . الثاني : أنها تستثقل من عزائم الأمور ما إن لم يصادف حزماً أفضت إلى السوء . قوله عز وجل : { وقال الملك ائتوني به اسْتخلصه لنفسي } وهذا قول الملك الأكبر لما علم أمانة يوسف اختاره ليستخلصه لنفسه في خاص خدمته . { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } لأنه استدل بكلامه على عقله ، وبعصمته على أمانته فقال : { إنك اليوم لدينا مكين أمين } وهذه منزلة العاقل العفيف . وفي قوله { مكين } وجهان : أحدهما : وجيه ، قاله مقاتل . الثاني : متمكن في المنزلة الرفيعة . وفي قوله { أمين } ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بمعنى آمن لا تخاف العواقب ، قاله ابن شجرة . الثاني : أنه بمعنى مأمون ثقة ، قاله ابن عيسى . الثالث : حافظ ، قاله مقاتل . قوله عز وجل : { قال اجعلني على خزائن الأرض } أي على خزائن أرضك ، وفيها قولان : أحدهما : هو قول بعض المتعمقة أن الخزائن ها هنا الرجال ، لأن الأفعال والأقوال مخزونة فيهم فصاروا خزائن لها . الثاني : وهو قول أصحاب الظاهر أنها خزائن الأموال ، وفيها قولان : أحدهما : أنه سأله جميع الخزائن ، قاله ابن زيد . الثاني : أنه سأله خزائن الطعام ، قاله شيبة بن نعامة الضبي . وفي هذا دليل على جواز أن يخطب الإنسان عملاً يكون له أهلاً وهو بحقوقه وشروطه قائم . فيما حكى ابن سيرين عن أبي هريرة قال : نزعني عمر بن الخطاب عن عمل البحرين ثم دعاني إليها فأبيت ، فقال : لم ؟ وقد سأل يوسف العمل . فإن كان المولي ظالماً فقد اختلف الناس في جواز الولاية من قبله على قولين : أحدهما : جوازها إن عمل بالحق فيما تقلده ، لأن يوسف عليه السلام ولي من قبل فرعون ، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا بفعل غيره . الثاني : لا يجوز ذلك له لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم وتزكيتهم بتنفيذ أعمالهم . وأجاب من ذهب إلى هذا القول عن ولايته من قبل فرعون بجوابين : أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحاً ، وإنما الطاغي فرعون موسى . الثاني : أنه نظر له في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه . والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام : أحدها : ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات فيجوز توليته من جهة الظالمين لأن النص على متسحقيه قد أغنى عن الاجتهاد فيه ، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التنفيذ . والقسم الثاني : ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الإجتهاد في مصرفه كأموال الفيء فلا يجوز توليته من جهة الظالم لأنه يتصرف بغير حقٍ ويجتهد فيما لا يستحق . والقسم الثالث : ما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام ، فعقد التقليد فيه محلول ، فإن كان النظر تننفيذاً لحكم بين متراضيين أو توسطاً بين مجبورين جاز ، وإن كان إلزام إجبار لم يجز . { إني حفيظ عليم } فيه أربعة تأويلات : أحدها : حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني ، قاله ابن زيد . الثاني : حفيظ بالكتاب ، عليم بالحساب ، حكاه ابن سراقة ، وأنه أول من كتب في القراطيس . الثالث : حفيظ بالحساب ، عليم بالألسن ، قاله الأشجع عن سفيان . الرابع : حفيظ لما وليتني ، قاله قتادة ، عليم بسني المجاعة ، قاله شيبة الضبي . وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل ، وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات ولكن مخصوص فيما اقترن بوصلة أو تعلق بظاهر من مكسب وممنوع منه فيما سواه لما فيه من تزكية ومراءاة ، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله ، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله ولما يرجوه من الظفر بأهله .