Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 5-18)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ عَلَّمَهُ شَدِيدٌ الْقُوَى } يعني : جبريل في قول الجميع . { ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } فيه خمسة أوجه : أحدها : ذو منظر حسن ، قاله ابن عباس . الثاني : ذو غناء ، قاله الحسن . الثالث : ذو قوة ، قاله مجاهد وقتادة ، ومن قول خفاف بن ندبة : @ إني امرؤ ذو مرة فاستبقني فيما ينوب من الخطوب صليب @@ الرابع : ذو صحة في الجسم وسلامة من الآفات ، ومن قول امرىء القيس : @ كنت فيهم أبداً ذا حيلة محكم المرة مأمون العقد @@ الخامس : ذو عقل ، قاله ابن الأنباري ، قال الشاعر : @ قد كنت عند لقاكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه @@ وفي قوله { فَاسْتَوَى } خمسة أوجه : أحدها : فاستوى جبريل في مكانه ، قاله سعيد بن جبير . الثاني : قام جبريل على صورته التي خلق عليها لأنه كان يظهر له قبل ذلك في صورة لا رجل . حكى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل على صورته إلا مرتين : أما واحدة ، فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق . وأما الثانية ، فإنه كان معه حين صعد ، وذلك قوله { وَهُوَ بِاْلأُفُقِ الأَعْلَى } . الثالث : فاستوى القرآن في صدره ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما : فاعتدل في قوته . الثاني : في رسالته . الرابع : يعني : فارتفع ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما : أنه جبريل ارتفع إلى مكانه . الثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ارتفع بالمعراج . { وَهُوَ بِلأُفُقِ الأَعْلَى } فيه قولان : أحدهما : أنه جبريل حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى ، قاله السدي . الثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل بالأفق الأعلى ، قاله عكرمة . وفي الأفق الأعلى ثلاثة أقاويل : أحدها : هو مطلع الشمس ، قاله مجاهد . الثاني : هو الأفق الذي يأتي منه النهار ، قاله قتادة ، يعني طلوع الفجر . الثالث : هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها ، قاله ابن زيد ، ومنه قول الشاعر : @ أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم والطوالع @@ { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } فيه قولان : أحدهما : أنه جبريل ، قاله قتادة . الثاني : أنه الرب ، قاله ابن عباس . وقوله { فَتَدَلَّى } فيه وجهان : أحدهما : تعلق فيما بين والسفل لأنه رآه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً ، قاله ابن بحر . الثاني : معناه قرب ، ومنه قوله تعالى : { وَتُدلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ } أي تقربوها إليهم ، وقال الشاعر : @ أتيتك لا أدلي بقربى قريبة إليك ولكني بجودك واثق @@ وقيل فيه تقديم وتأخير ، وتقديره : ثم تدلى فدنا ، قاله ابن الأنباري . { فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى } فيه أربعة أقاويل : أحدها : قيد قوسين ، قاله قتادة والحسن . الثاني : أنه بحيث الوتر من القوس ، قاله مجاهد . الثالث : من مقبضها إلى طرفها ، قاله عبد الحارث . الرابع : قدر ذراعين ، قاله السدي ، فيكون القاب عبارة عن القدر ، والقوس عبارة عن الذراع . ثم اختلفوا في المعنى بهذا الداني على ثلاثة أوجه : أحدها : أنه جبريل من ربه ، قاله مجاهد وهو قول ابن عباس . الثاني : أنه محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ، قاله محمد بن كعب . الثالث : أنه جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم . { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى } في عبده الموحى إليه قولان : أحدهما : أنه جبريل عليه السلام أوحى إليه ما يوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالته عائشة ، والحسن ، وقتادة . الثاني : أنه محمد صلى الله عليه وسلم أوحي إليه على لسان جبريل ، قاله ابن عباس والسدي . { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } في الفؤاد قولان : أحدهما : أنه أراد صاحب الفؤاد فعبر عنه بالفؤاد لأنه قطب الجسد وقوام الحياة . الثاني : أنه أرد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد وفيه قولان : أحدهما : معناه ما أوهمه فؤداه ما هو بخلافه كتوهم السراب ماء ، فيصير فؤاده بتوهم المحال كالكاذب له ، وهو تأويل من قرأ { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ } بالتخفيف . الثاني : معناه ما أنكر قلبه ما رأته عينه ، وهو تأويل من قرأ { كَذَّبَ } بالتشديد . وفي الذي رأى خمسة أقاويل : أحدها : رأى ربه بعينه ، قاله ابن عباس . الثاني : في المنام ، قاله السدي . الثالث : أنه بقلبه روى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله [ هل رأيت ربك ] ؟ قال : " رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ " ثم قرأ : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } . الرابع : أنه رأى جلاله ، قاله الحسن ، وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رَأَيتُ نَهْرَاً وَرَأَيتُ وَرَاءَ النَّهْرِ حَجَاباً ورَأَيتُ وَرَاءَ الحِجَابِ نُوراً لَمْ أَرَ غَيَرَ ذَلِكَ " . الخامس : أنه رأى جبريل على صورته مرتين ، قاله ابن مسعود . { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أفتجادلونه على ما يرى ، قاله إبراهيم . الثاني : أفتجادلونه على ما يرى ، وهو مأثور . الثالث : أفتشككونه على ما يرى ، قاله مقاتل . { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } يعني أنه رأى ما رآه ثانية بعد أُولى ، قال كعب : إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما السلام ، فرآه محمد مرتين ، وكلمه موسى مرتين . { عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى } روي فيها خبران . أحدهما : ما روى طلحة بن مصرف عن مرة عن ابن مسعود قال : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة ، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها الخبر . الثاني : ما رواه معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، ثَمَرُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجْرٍ ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ ، يَخْرُجُ مِن سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بِاطِنَانِ ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : أَمَّا النَّهْرَانِ البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ ، وَأَمَّا النَّهْرانِ الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ " . وفي سبب تسميتها سدرة المنتهى خمسة أوجه : أحدها : لانه ينتهي علم الأنبياء إليها ، ويعزب علمهم عما وراءها ، قاله ابن عباس . الثاني : لأن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ، قاله الضحاك . الثالث : لانتهاء الملائكة والنبيين إليها ووقوفهم عندها ، قاله كعب . الرابع : لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهاجه ، قاله الربيع بن أنس . الخامس : لأنه ينتهي إليها كل ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها ، قاله ابن مسعود . { عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } فيه قولان : أحدهما : جنة المبيت والإقامة ، قاله علي ، وأبو هريرة . الثاني : أنها منزل الشهداء ، قاله ابن عباس ، وهي عن يمين العرش وفي ذكر جنة المأوى وجهان على ما قدمناه في سدرة المنتهى : أحدهما : أن المقصود بذكرها تعريف موضعها بأنه عند سدرة المنتهى ، قاله الجمهور . { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن الذي يغشاها فراش من ذهب ، قاله ابن مسعود ورواه مرفوعاً . الثاني : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس . الثالث : أنه نور رب العزة ، قاله الضحاك . فإن قيل لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر ؟ قيل : لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعم لذيذ ، ورائحة ذكية ، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولاً وعملاً ونية ، فظلها بمنزلة العمل لتجاوزه ، وطعمها بمنزلة النية لكمونه ، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره . { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } في زيغ البصر ثلاثة أوجه ؛ أحدها : انحرافه . الثاني : ذهابه ، قاله ابن عباس . الثالث : نقصانه ، قاله ابن بحر . وفي طغيانه ثلاثة أوجه : أحدها : ارتفاعه عن الحق . الثاني : تجاوزه للحق ، قاله ابن عباس . الثالث : زيادته ، ويكون معنى الكلام أنه رأى ذلك على حقه وصدقه من غير نقصان عجز عن إدراكه ، ولا زيادة توهمها في تخليه ، قاله ابن بحر . { لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : ما غشي السدرة من فراش الذهب ، قاله ابن مسعود . الثاني : أنه قد رأى جبريل وقد سد الأفق بأجنحته ، قاله ابن مسعود أيضاً . الثالث : ما رأه حين نامت عيناه ونظر بفؤاده ، قاله الضحاك .