Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 63-74)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تَحْرُثُونَ } الآية . فأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم ، والزرع من فعل الله وينبت على إختياره لا على إختيارهم ، وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُم زَرَعْتُ وَلَكِن لِيَقُلْ حَرَثْتُ " . وتتضمن هذه الآية أمرين : أحدهما : الإمتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم . الثاني : البرهان الموجب للإعتبار بأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذوره وإنتقاله إلى إستواء حاله ، [ من العفن إلى الترتيب ] حتى صار زرعاً أخضر ، ثم جعله قوياً مشتداً أضعاف ما كان عليه ، فهو بإعادة من مات أحق وعليه أقدر ، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة . ثم قول تعالى { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } يعني الزرع ، والحطام الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به ، فنبه بذلك على أمرين : أحدهما : ما أولاهم من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاماً ليشكروه . الثاني : ليعتبروا بذلك في أنفسهم ، كما أنه يجعل الرزع حطاماً إذا شاء كذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا . { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } بعد مصير الزرع حطاماً ، وفيه أربعة أوجه : أحدها : تندمون ، وهو قول الحسن وقتادة ، ويقال إنها لغة عكل وتميم . الثاني : تحزنون ، قاله ابن كيسان . الثالث : تلاومون ، قاله عكرمة . الرابع : تعجبون ، قاله ابن عباس . وإذا نالكم هذا في هلاك زرعكم كان ما ينالكم في هلاك أنفسكم أعظم . { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : لمعذبون ، قاله قتادة ، ومنه قول ابن المحلم : @ وثقت بأن الحفظ مني سجية وأن فؤادي مبتلى بك مغرم @@ الثاني : مولع بنا ، قاله عكرمة ، ومنه قول النمر بن تولب : @ سلا عن تذكره تكتما وكان رهيناً بها مغرماً @@ أي مولع . الثالث : محرومون من الحظ ، قاله مجاهد ، ومنه قول الشاعر : @ يوم النسار ويوم الجفا ركانا عذاباً وكانا غراماً @@ { أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ } أي تستخرجون بزنادكم من شجر أو حديد أو حجر ، ومنه قول الشاعر : @ فإن النـار بالزنديـن تـورى وإن الشـر يقـدمـه الـكلام @@ { ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } أي أخذتم أصلها . { أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ } يعني المحدثون . { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } فيه وجهان : أحدهما : تذكرة لنار [ الآخرة ] الكبرى ، قاله قتادة . الثاني : تبصرة للناس من الظلام ، قاله مجاهد . { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوينَ } فيه خمسة أقاويل : أحدها : منفعة للمسافرين قاله الضحاك ، قال الفراء : إنما يقال للمسافرين إذا نزلوا القِيّ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها . الثاني : المستمتعين من حاضر ومسافر ، قاله مجاهد . الثالث : للجائعين في إصلاح طعامهم ، قاله ابن زيد . الرابع : الضعفاء والمساكين ، مأخوذ من قولهم قد أقوت الدار إذا خلت من أهلها ، حكاه ابن عيسى . والعرب تقول قد أقوى الرجل إذا ذهب ماله ، قال النابغة : @ يقوى بها الركب حتى ما يكون لهم إلا الزناد وقدح القوم مقتبس @@ الخامس : أن المقوي الكثير المال ، مأخوذ من القوة فيستمتع بها الغني والفقير .