Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 46-54)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزآئِنُ اللَّهِ } فيه وجهان : أحدهما : الرزق ، أي لا أقدر على إغناء فقير ، ولا إفقار غني ، قاله الكلبي . والثاني : مفاتيح خزائن العذاب لأنه خَوَّفهُم منه ، فقالوا متى يكون هذا ؟ قاله مقاتل . { وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ } فيه وجهان : أحدهما : علم الغيب في نزول العذاب عليهم متى يكون ؟ ، قاله مقاتل . والثاني : علم جميع ما غاب من ماض ومستقبل ، إلا أن المستقبل لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله تعالى على علمه من أنبيائه ، وأما الماضي فقد يعلمه المخلوقون من أحد الوجهين : إما من معاينة أو خبر ، فإن كان الإِخبار عن مستقبل ، فهو من آيات الله المعجزة ، وإن كان عن ماض فإن علم به غير المخبر والمخبر لم يكن معجزاً ، وإن لم يعلم به أحد وعلم به المخبِر وحده كان معجزاً ، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب ، لأنه لا يعلمه غير الله تعالى ، وإن ما أخبر به من غيب فهو عن الله ووحيه . { َوَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } فيه وجهان : أحدهما : أنه يريد أنه لا يقدر على ما يعجز عنه العباد ، وإن قدرت عليه الملائكة . والثاني : أنه يريد بذلك أنه من جملة البشر وليس بمَلَك ، لينفي عن نفسه غُلُوَّ النصارى في المسيح وقولهم : إنه ابن الله . ثم في نفيه أن يكون ملكاً وجهان : أحدهما : أنه بَيَّنَ بذلك فضل الملائكة على الأنبياء ، لأنه دفع عن نفسه منزلة ليست له . والثاني : أنه أراد إني لست ملكاً في السماء ، فأعلم غيب السماء الذي تشاهده الملائكة ويغيب عن البشر ، وإن كان الأنبياء أفضل من الملائكة مع غيبهم عما تشاهده الملائكة . { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن أخبركم إلا بما أخبرني الله به . والثاني : أن أفعل إلا ما أمرني الله به . { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ } يحتمل وجهين : أحدهما : الجاهل والعالم . والثاني : الكافر والمؤمن . { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } يحتمل وجهين : أحدهما : فيما ضربه الله من مثل الأعمى والبصير . الثاني : فيما بينه من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله . قوله عز وجل : { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِّي } . روي أن سبب نزول هذه الآية أن الملأ من قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من ضعفاء المسلمين مثل بلال ، وعمار ، وصهيب ، وخباب بن الأرت ، وابن مسعود ، فقالوا : يا محمد اطرد عنا موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا ، فلعلك إن طردتهم نتبعك ، فقال عمر : لو فعلت ذلك حتى نعلم ما الذي يريدون وإِلاَمَ يصيرون ، فَهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حتى نزلت هذه الآية . ونزل في الملأ من قريش { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } الآية ، فأقبل عمر فاعتذر من مقالته فأنزل الله فيه : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمَنُونَ بِئَأَيَاتِنا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } الآية . وفي قوله تعالى : { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } أربعة تأويلات : أحدها : أنها الصلوات الخمس ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني : أنه ذكر الله ، قاله إبراهيم النخعي . والثالث : تعظيم القرآن ، قاله أبو جعفر . والرابع : أنه عبادة الله ، قاله الضحاك . ومعنى قوله : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فيه قولان : أحدهما : يريدون بدعائهم ، لأن العرب تذكر وجه الشيء إرادة له مثل قولهم : هذا وجه الصواب تفخيماً للأمر وتعظيماً . والثاني : معناه يريدون طاعته لقصدهم الوجه الذي وجَّهَهُم إليه . { مَا عَلَيكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } فيه ثلاث أقوال : أحدها : يعني ما عليك من حساب عملهم من شيء من ثواب أو عقاب . { وَمَا مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ } يعني وما من حساب عملك عليهم من شيء ، لأن كل أحد مؤاخذ بحساب عمله دون غير ، قاله الحسن . والثاني : معناه ما عليك من حساب رزقهم وفقرهم من شيء . والثالث : ما عليك كفايتهم ولا عليهم كفايتك ، والحساب الكفاية كقوله تعالى : { عَطَاءً حِسَاباً } [ النبأ : 36 ] أي تاماً كافياً ، قاله ابن بحر . قوله عز وجل : { وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } يعني لاختلافهم في الأرزاق ، والأخلاق ، والأحوال . وفي إفتان الله تعالى لهم قولان : أحدهما : أنه ابتلاؤهم واختبارهم ليختبر به شكر الأغنياء وصبر الفقراء ، قاله الحسن ، وقتادة . والثاني : تكليف ما يشق على النفس مع قدرتها عليه . { لَّيَقُولُواْ أَهَؤُلآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا } وهذا قول الملأ من قريش للضعفاء من المؤمنين ، وفيما مَنَّ الله تعالى به عليهم قولان : أحدهما : ما تفضل الله به عليهم من اللطف في إيمانهم . والثاني : ما ذكره من شكرهم على طاعته . قوله عز وجل : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بئَأَيَاتِنَا } يعني به ضعفاء المسلمين وما كان من شأن عمر . { فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } فيه قولان : أحدهما : أنه أمر بالسلام عليهم من الله تعالى ، قاله الحسن . والثاني : أنه أمر بالسلام عليهم من نفسه تكرمة لهم ، قاله بعض المتأخرين . وفي السلام قولان : أحدهما : أنه جمع السلامة . والثاني : أنه السلام هو الله ومعناه ذو السلام . { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } فيه قولان : أحدهما : معناه أوجب الله على نفسه . والثاني : كتب في اللوح المحفوظ على نفسه . و { الرَّحْمَةَ } يحتمل المراد بها هنا وجهين : أحدهما : المعونة . والثاني : العفو . { أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءَاً بِجَهَالَةٍ } في الجهالة تأويلان : أحدهما : الخطيئة ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والضحاك . والثاني : ما جهل كراهية عاقبته ، قاله الزجاج . ويحتمل ثالثاً : أن الجهالة هنا ارتكاب الشبهة بسوء التأويل . { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } يعني تاب من عمله الماضي وأصلح في المستقبل .