Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 73-76)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ } ، يعني : إخوة يوسف ، { تَٱللَّهِ } أي : والله ، وخصت هذه الكلمة بأن أُبدلت الواو فيها بالتاء في اليمين دون سائر أسماء الله تعالى . { لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى ٱلأَرْضِ } ، لنسرق في أرض مصر . فإن قيل : كيف قالوا لقد علمتم ؟ ومن أين علموا ذلك ؟ قيل : قالوا قد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ، فإنا منذ قطعنا هذا الطريق لم نَرْزَأ أحداً شيئاً فاسألوا عنّا من مررنا به ، هل ضررنا أحداً . وقيل : لأنهم ردوا البضاعة التي جعلت في رحالهم ، قالوا : فلو كنا سارقين ما رددناها . وقيل : قالوا ذلك لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم ، وكانوا إذا دخلوا مصر كمّموا أفواه دوابهم كيلا تتناول شيئاً من حروث الناس . { وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِينَ } . { قَالُواْ } ، يعني : المنادي وأصحابه { فَمَا جَزَآؤُهُ } ، أي : جزاء السارق ، { إِن كُنتُمْ كَـٰذِبِينَ } ، في قولكم : " وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِينَ " . { قَالُوا } ، يعني : إخوة يوسف ، { جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } ، أي : فالسارق جزاؤه أن يسلَّم السارق بسرقته إلى المسروق منه فيسترقه سنة ، وكان ذلك سُنَّة آل يعقوب في حكم السارق ، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق ، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده ، فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم . { كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، الفاعلين ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير . فقال الرسول عند ذلك : لابدّ من تفتيش أمتعتكم . فأخذ في تفتيشها . ورُوي أنه ردّهم إلى يوسف فأمر بتفتيش أوعيتهم بين يديه . { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ } ، لإِزَالَة التهمة ، { قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } ، فكان يفتش أوعيتهم واحداً واحداً . قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر في وعاء إلاّ استغفر الله تأثماً مما قذفهم به حتى إذا لم يبق إلاّ رحل بنيامين ، قال : ما أظن هذا أخذه ، فقال إخوته : والله لا نترك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك ولأنفسنا ، فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه ، فذلك قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } ، وإنما أنّث الكناية في قوله : " ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا " ، والصُّوَاع مذكر ، بدليل قوله : " وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ " ؛ لأنه ردّ الكناية هاهنا إلى السقاية . وقيل : الصواع يذكر ويؤنث . فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس إخوته رؤوسهم من الحياء ، وأقبلوا على بنيامين وقالوا : ما الذي صنعت فضحتنا وسودت وجوهنا يابني راحيل ؟ ما يزال لنا منكم البلاء ، متى أخذت هذا الصواع ؟ فقال بنيامين : بل بنو راحيل لا يزال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية ، ووضع هذا الصواع في رحليّ الذي وضع البضاعة في رحالكم ، فأخذوا بنيامين رقيقاً . وقيل : إن ذلك الرجل أخذه برقبته وردّه إلى يوسف كما يرد السراق . { كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } ، والكيد هاهنا جزاء الكيد ، يعني : كما فعلوا في الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم . وقد قال يعقوب عليه السلام ليوسف : { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } ، فكدنا ليوسف في أمرهم . والكيد من الخلق : الحيلة ، ومن الله : التدبير بالحق . وقيل : كدنا ألهمنا . وقيل : دبرنا . وقيل : أردنا . ومعناه : صنعنا ليوسف حتى ضم أخاه إلى نفسه ، وحال بينه وبين إخوته { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } فيضمه إلى نفسه ، { فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ } ، أي : في حكمه . قال قتادة . وقال ابن عباس : في سلطانه . { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ، يعني : إن يوسف لم يكن يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كِدْنَا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك ، وهو ما أجري على ألسنة الإِخوة أن جزاء السارق الاسترقاق ، فحصل مراد يوسف بمشيئة الله تعالى : { نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَآءُ } ، بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته . وقرأ يعقوب : { يرفع } و { يشاء } بالياء فيهما ، وإضّافة درجات إلى { من } في هذه السورة . والوجه أن الفعل فيهما مسند إلى الله تعالى ، وقد تقدم ذكره في قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ، أي : يرفع الله درجات من يشاء . وقرأ الباقون بالنون فيهما ، إلاّ أن الكوفيين قرؤوا : { درجات } بالتنوين ، ومَنْ سِواهم بالإِضافة ، أي : نرفع به نحن ، والرافع أيضاً هو الله تعالى . { وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ } . قال ابن عباس : فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى . فالله تعالى فوق كل عالم .