Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 10-12)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ رَأَى نَاراً } ، وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله وماله ، وكانت أيام الشتاء ، فأخذ على غير الطريق مخافةَ ملوكِ الشام ، وامرأته في سقمها ، لا تدري أليلاً أم نهاراً ، فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطَّلْقُ ، فقدح زنده فلم يُوره . وقيل : إن موسى كان رجلاً غيوراً وكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترىٰ امرأتَه ، فأخطأ مرةً الطريق في ليلة مظلمةٍ شاتية ، لما أراد الله عزّ وجلّ من كرامته ، فجعل يقدح الزند فلا يورى ، فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، { فَقَالَ لأَِهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } ، أقيموا ، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص ، { إِنِّىۤ ءَانَسْتُ } أي : أبصرت ، { نَاراً لَّعَلِّىۤ آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ } ، شعلة من نار ، والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار ، { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } ، أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق . { فَلَمَّآ أَتَاهَا } ، رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها ، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون ، فلا ضوء النار يغيّر خضرة الشجرة ، ولا خضرة الشجرة تغيِّر ضوء النار . قال ابن مسعود : كانت الشجرة سَمُرَة خضراء . وقال قتادة ، ومقاتل ، والكلبي : كانت من العوسج . وقال وهب : كانت من العليق . وقيل : كانت شجرة العناب ، رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما . وقال أهل التفسير : لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً ، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً . وقال أكثر المفسرين : إنه نور الرب عزّ وجلّ ، وهو قول ابن عباس ، وعكرمة ، وغيرهما . وقال سعيد بن جبير : هي النار بعينها ، وهي إحدى حجب الله تعالى ، يدلُّ عليه : ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حجابُهُ النار لو كشفَها لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرهُ من خَلْقِه " وفي القصة أن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنَا نَأَتْ منه النار ، وإذا نأى دنتْ ، فوقف متحيراً ، وسمع تسبيح الملائكة ، وأُلْقِيَتْ عليه السكينة . { نُودِىَ يَٰمُوسَىٰ إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ } ، قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، " أَني " بفتح الألف ، على معنى : نودي بأني . وقرأ الآخرون بكسر الألف ، أي : نودي ، فقيل : إني أنا ربُّك . قال وهب : نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ، فأجاب سريعاً ما يدري مَنْ دعاه ، فقال : إني أسمع صوتك ولا أرى مكان فأين أنت ؟ قال : أنا فوقك ومعك ، وأمامك وخلفك ، وأقرب إليك من نفسك ، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله ، فأيقن به . قوله عزّ وجلّ : { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } ، وكان السبب فيه ما رُوي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله : { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } ، قال : كانتا من جلد حمار ميت . ويروى غير مدبوغ . وقال عكرمة ومجاهد : أُمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة ، فيناله بركتها لأنها قُدِّست مرتين ، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي . { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } ، أي المطهر ، { طُوًى } ، وطوى اسم الوادي ، وقرأ أهل الكوفة والشام : { طوىً } بالتنوين هاهنَا وفي سورة النازعات ، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن " طاوٍ " فلما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه ، مثل عُمَرَ ، وزُفَرَ ، وقال الضحاك : { طوى } : وادٍ مستدير عميق مثل الطوى في استدارته .