Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 20-24)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } ، أي : طلبها وبحت عنها ، والتفقد : طلب ما فُقِد ، ومعنى الآية : طلب ما فقد من الطير ، { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } ، أي : ما للهدهد لا أراه ، تقول العرب : مالي أراك كئيباً ؟ أي : مالك ؟ والهدهد : طائر معروف . وكان سبب تفقد الهدهد وسؤاله عنه ، قيل : إخلاله بالنوبة ، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلاً يظله وجندَه الطيرُ من الشمس ، فأصابته الشمس من موضع الهدهد ، فنظر فرآه خالياً . وروي عن ابن عباس : أن الهدهد كان دليل سليمان على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض ، كما يرى في الزجاجة ، ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض ، ثم تجيء الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء . قال سعيد بن جبير : لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق : يا وصاف انظر ما تقول ، إن الصبي منّا يضع الفخ ويحثو عليه التراب ، فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ، فقال له ابن عباس : ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر . وفي رواية : إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر . فنزل سليمان منزلاً فاحتاج إلى الماء فطلبوا فلم يجدوا ، فتفقد الهدهد ليدل على الماء ، فقال : مالي لا أرى الهدهد ، على تقدير أنه مع جنوده ، وهو لا يراه ، ثم أدركه الشك في غيبته ، فقال : { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } ، يعني أكان من الغائبين ، والميم صلة ، وقيل : " أم " بمعنى " بل " ، ثم أوعده على غيبته ، فقال : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } ، واختلفوا في العذاب الذي أوعده به ، فأظهر الأقاويل أن عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطاً ، لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض . وقال مقاتل بن حيان : لأطلينّه بالقطران ولأشمسنّه وقيل : لأودعنّه القفص . وقيل : لأفرقن بينيه وبين إلفه . وقيل : لاحبسنّه مع ضده . { أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } ، أي لأقطعن حلقه ، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } ، بحجة بينة في غيبته ، وعذر ظاهر ، قرأ ابن كثير { ليأتينَّني } بنونين ، الأولى مشددة ، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة . وكان سبب غيبته على ما ذكر العلماء : أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، فتجهز للمسير ، واستصحب من الجن والإِنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ ، فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كل يوم بمقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف قومه : إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا ، يعطى النصر على جميع من ناوأه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبيعد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم . قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله ؟ قال : يدين بدين الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، قالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله ؟ قال : مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فإنه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحاً ، وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضاً حسناء تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها ، ففعل ذلك فنظر يميناً وشمالاً ، فرأى بستاناً لبلقيس ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه ، وكان اسم هدْهد سليمان " يعفور " واسم هدهد اليمن " عنفير " ، فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان : من أين أقبلت وأين تريد ، قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، فقال : ومن سليمان ؟ قال ملك الجن والإِنس والشياطين والطير والوحش والرياح ، فمن أين أنت ، قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها ؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبكم ملكاً عظيماً ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها ملكة اليمن كلها ، وتحت يدها إثنا عشر ألف قائد ، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وما رجع إلى سليمان إلا في وقت العصر . قال : فلما نزل سليمان ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء ، فسأل الإِنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا ، فتفقد الطير ، ففقد الهدهد ، فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عن الهدهد ، فقال : أصلح الله الملك ، ما أدري أين هو ، ما أرسلته مكاناً ، فغضب عند ذلك سليمان ، وقال : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } الآية . ثم دعا العقاب سيد الطير فقال : عليّ بالهدهد الساعةَ ، فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ثم التفت يميناً وشمالاً فإذا هو بالهدهد مقبلاً من نحو اليمن ، فانقضّ العقاب نحوه يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء فناشده ، فقال : بحق الله الذي قوّاك وأقدرك عليّ إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، قال فولّى عنه العقاب ، وقال له : ويلك ثكلتك أمك ، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان ، فلما انتهيا إلى المعكسر تلقاه النسر والطير ، فقالوا له : ويلك أين غبت في يومك هذا ؟ ولقد توعدك نبي الله ، وأخبراه بما قال ، فقال الهدهد : أوَ ما استثنى رسول الله قالوا : بلى قال " أو ليأتينّي بسلطان مبين " ، قال " فنجوت إذاً ، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعداً على كرسيه ، فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه وقال : أين كنت ؟ لأعذبنّك عذاباً شديداً فقال الهدهد : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه ، ثم سأله فقال : ما الذي أبطأ بك عني ؟ فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ، قرأ عاصم ويعقوب : « فمكث » بفتح الكاف ، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان ، { غَيْرَ بَعِيدٍ } ، أي غير طويل ، { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } ، والإِحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول : علمتُ ما لم تعلم ، وبلغتُ ما لم تبلغه أنت ولا جنودك ، { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ } ، قرأ أبو عمرو ، والزبير عن ابن كثير « من سبأ » و « لسبأ » في سورة سبأ ، مفتوحة الهمزة ، وقرأ القواص وعن ابن كثير ساكنة بلا همزة ، وقرأ الآخرون بالاجراء ، فمن لم يجره جعله اسم للبلد ، ومن أجراه جعله اسم رجل . فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال : " كان رجلاً له عشرة من البنين تَيامَنَ منهم ستة وتشاءم أربعة " . { بِنَبَإٍ } ، بخبر , { يَقِينٍ } ، فقال سليمان : وما ذاك ؟ قال : { إِنِّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } ، وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل ، من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكاً عظيم الشأن ، قد ولد له أربعون ملكاً هو آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤاً لي ، وأبى أن يتزوج فيهم ، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقيس ، [ ولم يكن له ولد غيرها . وجاء في الحديث : " أن أحد أبوي بلقيس كان جنياً " فلما مات أبو بلقيس ] طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها قوم آخرون ، فملَّكوا عليهم رجلاً ، وافترقوا فرقتين ، كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن ، ثم إن الرجل الذي ملّكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته ويفجر بهن ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه ، فلما رأت ذلك بلقيس أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه ، فأجابها الملك ، وقال : ما منعني أن ابتدئك بالخطبة إلاّ اليأس منك ، فقالت : لا أرغب عنك ، كفؤ كريم ، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم ، فجمعهم وخطبها إليهم ، فقالوا : ألا نراها تفعل هذا ، فقال لهم : إنها ابتدأتني فأنا أحب أن تسمعوا قولها فجاؤوها ، فذكروا لها ، فقالت : نعم أحببت الولد . فزوجوها منه ، فلما زفت إليه خرجت في أناس كثير من حشمها ، فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ، ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها ، فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلاً ورأسه منصوب على باب دارها ، فعلموا أن تلك المناكحة كانت مكراً وخديعة منها ، فاجتمعوا إليها وقالوا : أنت بهذا الملك أحق من غيرك ، فملّكوها . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عثمان بن الهيثم ، أخبرنا عوف ، عن الحسن ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال : " لن يفلح قوم ولَّو أمرهم امرأة " . قوله تعالى : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ } ، يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة ، { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } ، سرير ضخم كان مضروباً من الذهب مكللاً بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق . قال ابن عباس : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً ، وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً . وقال مقاتل : كان طوله ثمانين ذراعاً وطوله في السماء ثمانين ذراعاً . وقيل : كان طوله ثمانين ذراعاً وعرضه أربعين ذراعاً وارتفاعه ثلاثين ذراعاً . { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } .