Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 17-21)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِى يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي : يمنعكم من عذابه ، { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً } ، هزيمة ، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } ، نصرة ، { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً } ، أي : قريباً ينفعهم ، { وَلاَ نَصِيراً } ، أي : ناصراً يمنعهم . { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } ، أي : المثبطين للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } ، أي : ارجعوا إلينا ، ودَعُوا محمداً ، فلا تشهدوا معه الحرب ، فإنا نخاف عليكم الهلاك . قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين ، كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لإِخوانهم : ما محمد وأصحابه إلاّ أكلة رأس ، ولو كانوا لحماً لالتهمهم ، أي : ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه ، دعوا الرجل فإنه هالك . وقال مقاتل : نزلت في المنافقين ، وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين ، وقالوا : ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه ، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرّة لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً وإنّا نشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هلمُّوا إلينا ، فأقبل عبد الله بن أُبي وأصحابه على المؤمنين يعوِّقونهم ويخوِّفونهم بأبي سفيان ومَنْ معه ، وقالوا : لئن قدروا عليكم لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً ما ترجون من محمد ؟ ما عنده خير ، ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا ، انطلقوا بنا إلى إخواننا ، يعني اليهود ، فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً . قوله عزّ وجلّ : { وَلاَ يَأتونَ البَأْسَ } ، الحرب ، { إِلاَّ قَلِيلاً } ، رياء وسمعة من غير احتساب ، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً . { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } ، بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة ، وقال قتادة : بخلاء عند الغنيمة ، وصفهم الله بالبخل والجبن ، فقال : { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } في الرؤوس من الخوف والجبن ، { كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } ، أي : كدوران الذي يُغشى عليه من الموت ، وذلك أن من قرب من الموت وغشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره ، فلا يطرف ، { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم } ، آذوكم ورموكم في حال الأمن ، { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ، ذرِبَةٍ ، جمع حديد . يقال للخطيب الفصيح : الذَّرِب اللسان : مِسْلَق ومصلق وسَلاَّق وصَلاَّق . قال ابن عباس : سلقوكم أي : عضدوكم وتناولوكم بالنقص والعيبة . وقال قتادة : بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة ، يقولون : أعطونا فإنا قد شهدنا معكم القتال ، فلستم أحق بالغنيمة منّا ، فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند البأس أجبن قوم ، { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } ، أي : عند الغنيمة يشاحون المؤمنين ، { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ } ، قال مقاتل : أبطل الله جهادهم ، { وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } . { يَحْسَبُونَ } ، يعني هؤلاء المنافقين ، { ٱلأَحْزَابَ } ، يعني : قريشاً وغطفان اليهود ، { لَمْ يَذْهَبُواْ } ، لم ينصرفوا عن قتالهم جبناً وفرقاً وقد انصرفوا ، { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } ، أي : يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب ، { يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلأَعْرَابِ } ، أي : يتمنّوُا لو كانوا في بادية مع الأعراب من الخوف والجبن ، يقال : بدا يبدو بداوةً إذا خرج إلى البادية . { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ } ، أخباركم وما آل إليه أمركم ، وقرأ يعقوب : « يَسَّاءلون » مشددة ممدودة أي يتساءلون ، { وَلَوْ كَانُواْ } ، يعني : هؤلاء المنافقين ، { فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } ، تعذيراً ، أي : يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم ، فيقولون قد قاتلنا . قال الكلبي : إلا قليلاً أي : رمياً بالحجارة . وقال مقاتل : إلا رياءً وسمعةً من غير احتساب . قوله عزّ وجلّ : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، قرأ عاصم : « أسوة » حيث كان ، بضم الهمزة ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان ، أي قدوة صالحة ، وهي فعلة من الائتساء ، كالقدوة من الاقتداء ، اسم وضع موضع المصدر ، أي : به اقتداء حسن إن تنصروا دين الله وتوازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه ، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذْ كُسِرَتْ رُباعيتُه وجُرح وجهه ، وقُتل عمّه وأوذي بضروب من الأذى ، فَوَاسَاكم مع ذلك بنفسه ، فافعلوا أنتم كذلك أيضاً واستنّوا بسنته ، { لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ } ، بدل من قوله : " لكم " وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين ، يعني : أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله ، قال ابن عباس : يرجو ثواب الله . وقال مقاتل : يخشى الله ، { وَٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ } ، أي : يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال ، { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } ، في جميع المواطن على السراء والضراء .