Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-14)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ } ، يعني : اذكر لهم شبهاً مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية ، { إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } ، يعني : رسل عيسى عليه الصلاة والسلام . قال العلماء بأخبار الأنبياء : بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية ، فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غُنيمات له وهو حبيب النجار ، صاحب يَس فسلما عليه ، فقال الشيخ لهما : من أنتما ؟ فقالا : رسولا عيسى ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن ، فقال : أمعكما آية ؟ قالا : نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، فقال الشيخ : إن لي ابناً مريضاً منذ سنين ، قالا : فانطلق بنا نطلع على حاله ، فأتى بهما إلى منزله ، فمسحا ابنه ، فقام في الوقت - بإذن الله - صحيحاً ، ففشا الخبر في المدينة ، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى ، وكان لهم ملك - قال وهب : اسمه انطيخس - وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام ، قالوا : فانتهى الخبر إليه فدعاهما ، فقال : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى ، قال : وفيمَ جئتما ؟ قالا : ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر ، فقال : ولكما إله دون آلهتنا ؟ قالا : نعم ، من أوجدك وآلهتك . قال : قومَا حتى أنظر في أمركما ، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق . قال وهب : بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية ، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها ، وطال مدة مقامهما ، فخرج الملك ذات يوم فكبَّرا وذكرا الله ، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة ، قالوا : فلمّا كُذّبَ الرسولان وضُربا ، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على إِثرِهِما لينصرهما ، فدخل شمعون البلد متنكراً ، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أَنَسوا به ، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عِشرته وأنس به وأكرمه ، ثم قال له ذات يوم : أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دَعَوَاك إلى غيرِ دينك ، فهل كلَّمتَهُما وسمِعتَ قولَهما ؟ فقال الملك : حالَ الغضبُ بيني وبين ذلك . قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما ، فدعاهما الملك ، فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى هاهنا ؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك ، فقال لهما شمعون : فصفاه وأوجزا ، فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فقال شمعون : وما آيتكما ؟ قالا : ما تتمناه ، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجب الملك ، فقال شمعون للملك : إن أنت سألت إلهك حتى يصنع صنعاً مثل هذا فيكون لك الشرف ولإِلهك . فقال الملك : ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيراً ، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم ، فقال الملك للرسولين : إن قدر إلهكم الذي تعبدانه على إحياء ميتٍ آمنَّا به وبكما ، قالا : إلهنا قادر على كل شيء ، فقال الملك : إن هاهنا ميتاً مات منذ سبعة أيام ابنٌ لدهقان وأنا أخّرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه ، وكان غائباً فجاؤوا بالميت وقد تغير وأَروح فجعلا يدعوان ربهما علانيةً ، وجعل شمعون يدعو ربه سراً ، فقام الميت ، وقال : إني قد مت منذ سبعة أيام مشركاً فأُدْخِلتُ في سبعة أودية من النار ، وأنا أُحذِّرُكم ما أنتم فيه فآمنوا بالله ، ثم قال : فتحت لي أبواب السماء فنظرتُ فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : ومن الثلاثة ؟ قال : شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه ، فتعجب الملك ، فلما علم شمعون أن قوله أثّر في الملك أخبرَه بالحال ، ودعاه فآمن الملك وآمن قوم ، وكفر آخرون . وقيل : إن ابنةً للملك كانت قد توفيت ودفنت ، فقال شمعون للملك : اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك ، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر ، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت ، وقالت : أسلموا فإنهما صادقان ، قالت : ولا أظنكم تسلمون ، ثم طلبت من الرسولين أن يردَّاها إلى مكانها فذرَّا تُراباً عل رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت . وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب : بل كفر الملكُ ، وأجمع هو وقومُهُ على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيباً ، وهو على باب المدينة الأقصى ، فجاء يسعى إليهم يُذكِّرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } , قال وهب : اسمهما يوحنا وبولس ، { فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا } ، يعني فقوّينا { بِثَالِثٍ } ، برسول ثالث وهو شمعون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : " فعزَزْنا " بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك : شدَدْنا وشدَّدْنا ، بالتخفيف والتثقيل ، وقيل : أي فغلبنا ، من قولهم : من عزَّ بزَّ . وقال كعب : الرسولان : صادق وصدوق ، والثالث شلوم ، وإنما أضاف الله الإِرسال إليه لأن عيسى عليه السلام إنما بعثهم بأمره تعالى ، { فَقَالُوۤاْ } ، جميعاً لأهل أنطاكية ، { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } .