Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 46-56)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَوْمَ نُوحٍ } ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : " وقومِ " ، بجر الميم ، أي : وفي قوم نوح ، وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى ، وهو أن قوله : { فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمِّ } ، معناه : أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح . { مِّن قَبْلُ } ، أي : من قبل هؤلاء ، وهم عاد وثمود وقوم فرعون . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } . { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَـٰهَا بِأَيْيْدٍ } ، بقوة وقدرة ، { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : قادرون . وعنه أيضاً : لموسعون الرزق على خلقنا . وقيل : ذو سعة . وقال الضحاك : أغنياء ، دليله قوله عزّ وجلّ : { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] ، قال الحسن : مطيقون . { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } ، بسطناها ومهدناها لكم ، { فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } ، الباسطون نحن : قال ابن عباس : نعم ما وطّأتُ لعبادي . { وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } ، صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض . والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والإِنس ، والذكر والأنثى ، والنور والظلمة ، والإِيمان والكفر ، والسعادة والشقاوة ، والحق والباطل ، والحلو والمرّ . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، فتعملون أن خالق الأزواج فرد . { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللهِ } ، فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه ، بالإيمان والطاعة . قال ابن عباس : فروا منه إليه واعملوا بطاعته . وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله . { إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } . { كَذَلِكَ } ، أي : كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ، { مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } ، من قبل كفار مكة ، { مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } . قال الله تعالى : { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } ، أي : أوصى أولُهم آخرَهم وبعضُهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤا عليه ؟ والألف فيه للتوبيخ ، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَـٰغُونَ } ، قال ابن عباس : حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسّعتُ عليهم على تكذيبك ، { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فأعرض عنهم ، { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } ، لا لوم عليك فقد أديتَ الرسالة وما قصرت فيما أُمرت به . قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك على أصحابه ، وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر إذْ أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم . فأنزل الله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، فطابت أنفسهم . قال مقاتل : معناه عِظْ بالقرآن كفار مكة ، فإن الذكرى تنفع من [ سبق ] في علم الله أن يؤمن منهم . وقال الكلبي : عِظْ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم . { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، قال الكلبي والضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين ، يدل عليه قراءة ابن عباس : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ } من المؤمنين { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، ثم قال في أخرى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] . وقال بعضهم : وماخلقت السعداء من الجن والإِنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : هو على ما جُبِلُوا عليه من الشقاوة والسعادة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إلاّ ليعبدون " . أي إلاَّ لآمُرَهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، يؤيده قوله عزّ وجلّ : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَٰحِداً } [ التوبة : 31 ] . وقال مجاهد : إلاّ ليعرفوني . وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، دليله : قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللهُ } [ الزخرف : 87 ] . وقيل : معناه إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللوا ، ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والانقياد ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، ومتذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجاً عمّا خُلق عليه . وقيل : " إلا ليعبدوني " إلاَّ ليوحدوني ، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله عزّ وجلّ : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] .