Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 15-20)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } ، قرأ أبو جعفر , وابن عامر ويعقوب : " تؤخذ " بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، { فِدْيَةٌ } بدل وعوض بأن تفدوا أنفسكم من العذاب ، { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني المشركين ، { مَأْوَٰكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلَـٰكُم } ، صاحبكم وأولى بكم , لما أسلفتم من الذنوب ، { وَبِئْسَ ٱلمَصِيرُ } . قوله عزّ وجل : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عن التوراة ، فإن فيها العجائب ، فنزلت : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [ يوسف : 3 ] ، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } [ الزمر : 23 ] ، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية . فعلى هذا التأويل , قوله : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، يعني في العلانية وباللسان . وقال الآخرون : نزلت في المؤمنين . قال عبد الله بن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، إلا أربع سنين . وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن , فقال : " ألم يَأْنِ " ، ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تخشع : تَرِقَّ وتلين وتخضع قلوبُهم لذكر الله ، { وَمَا نَزَلَ } ، قرأ نافع , وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي ، وقرأ الآخرون بتشديدها ، { مِنَ ٱلحَقّ } ، وهو القرآن ، { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِنْ قَبْلُ } ، وهم اليهود والنصارى ، { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأمَد } ، الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } ، قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله ، والمعنى : أن الله عزّ وجلّ ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر . روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم . { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ } ، يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . وقوله عزّ وجلّ : { ٱعْلَمُوا أنَّ ٱللهَ يُحيِى ٱلأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَد بَيَنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * إنَّ ٱلمصَّدِّقِينَ وٱلمصَّدِّقَات } ، قرأ ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من " التصديق " أي : المؤمنين والمؤمنات ، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد ، { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } ، بالصدقة والنفقة في سبيل الله عزّ وجلّ : { يُضَـٰعَفُ لَهُمْ } ، ذلك القرض { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ، ثواب حسن وهو الجنة . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ } ، والصدِّيق : الكثير الصدق ، قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق وتلا هذه الآية . قال الضحاك : هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام : أبو بكر , وعلي , وزيد , وعثمان , وطلحة , والزبير , وسعد , وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته . { وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ } ، اختلفوا في نظم هذه الآية ، منهم من قال : هي متصلة بما قبلها ، و " الواو " واو النسق ، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين . قال الضحاك : هم الذين سميناهم . وقال مجاهد : كل مؤمن صديق شهيد ، وتلا هذه الآية . وقال قوم : تم الكلام عند قوله : " هُمُ الصدِّيقُون " ثم ابتدأ فقال : والشُّهَدَآءُ عِندَ ربهم ، و " الواو " واو الاستئناف ، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة . ثم اختلفوا فيهم فقال قوم : هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مقاتل بن حيان . وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله . { لَهُمْ أجْرُهُمْ } ، بما عملوا من العمل الصالح ، { وَنُورُهُمْ } على الصراط { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلجَحِيم } . قوله عزّ وجلّ : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } ، أي أن الحياة الدنيا ، و " ما " صلة أي إن الحياة في هذه الدار ، { لَعِبٌ } ، باطل لا حاصل له ، { وَلَهْوٌ } ، فرح ثم ينقضي ، { وَزِينَةٌ } ، منظر تتزينون به ، { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } ، تفخر به بعضكم على بعض , { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وٱلأوْلَـٰد } ، أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد ، ثم ضرب لها مثلاً فقال : { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ } ، أي الزراع ، { نَبَاتُهُ } ، ما نبت من ذلك الغيث ، { ثُمَّ يَهِيجُ } ، ييبس ، { فَتَرَاهُ مُصْفَراً } ، بعد خضرته ونضرته ، { ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً } ، يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ، { وَفِي ٱلآَخِرَةِ عَذَابٌ شديد } ، قال مقاتل : لأعداء الله ، { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ } ، لأوليائه وأهل طاعته . { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلغُرُورِ } ، قال سعيد بن جبير : متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة ، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه .